أكد مراقبون لديارنا أن تكليف عدنان الزرفي تشكيل الحكومة الجديدة في العراق دق ناقوس الخطر في طهران بسبب مناهضته لإيران، ويتوقع أن يشهد عهده تراجعا لنفوذ النظام الإيراني في العراق.
وكان الرئيس برهم صالح قد كلف الزرفي في 17 أذار/مارس بعد فشل مرشحه السابق محمد علاوي في تشكيل حكومة مع انتهاء المهلة القانونية لذلك في 2 أذار/مارس.
وتنتهي مهلة الزرفي لتشكيل الحكومة في 16 نيسان/أبريل الجاري، وقد بدأ عملية التأليف على الرغم من معارضة العديد من الأحزاب السياسية الموالية لإيران.
وأعرب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني عبر وسائل الإعلام التابعة له، كوكالة أنباء فارس، عن استيائه من تكليفه، واصفا محافظ النجف السابق بأنه "أداة أميركية" في العراق.
وفي 19 أذار/مارس، أبدى مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شنكر، تأييده لتكليف الزرفي، وقال إن الولايات المتحدة "تأمل تشكيل حكومة عراقية ... يتصدر العراق أولوياتها ... وتسعى ليكون العراق دولة ذات سيادة لا دولة تابعة لإيران".
وأضاف شنكر: "يبدو أن الزرفي يحظى بدعم السنة والأكراد وعدد من الشيعة"، لذا "نأمل أن لا تتحرك الأطراف المؤيدة لإيران - أي إيران وحلفاؤها - لتعطيل عمل الرئيس المكلف".
ذيول مقتل سليماني
واستقال رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما كان العراق يهتز تحت وطأة موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية المنددة بالفساد الحكومي والنفوذ الإيراني.
واعتبر علاوي الذي شغل في عهد نوري المالكي حقيبة وزارة الاتصالات مقربا من إيران، وتواصلت الاحتجاجات بعد تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.
وفشل في الحصول على ثقة مجلس النواب العراقي.
وفي مقابلة مع وسيلة إعلانية في إيران، عزا رئيس مركز الدراسات العربية الإيرانية في طهران، محمد صالح صدغيان، هذا الأمر جزئيا إلى اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، يوم 3 كانون الثاني/يناير الماضي.
وأوضح أن: "سليماني كان يتمتع بفهم عميق للتيارات الاجتماعية والسياسية في العراق، ولعب على مر السنين دورا مهما في اختيار رؤساء وزراء العراق عبر حشد الجماعات الشيعية".
وأضاف صدغيان أنه "لا يمكن إنكار دور سليماني في السياسة العراقية، وقد تسبب موته في فراغ ... إذ سيعجز أي شخص آخر عن لعب هذا الدور في العراق ولم شمل الفصائل".
ويواجه القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، صعوبة في لعب دور سلفه، ما وضع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران أمام أزمة ثقة.
وتابع صدغيان: "يمكن توقع أن يصبح الوضع مستقبلا أكثر تعقيدا".
وقام قاآني بزيارة بغداد يوم 30 أذار/مارس، وتحدثت وسائل الإعلام المحلية عن اجتماعه إلى كبار المسؤولين العراقيين لإبلاغهم رفض إيران تكليف الزرفي.
تقويض نفوذ إيران في العراق
من جهته، قال المحلل السياسي في طهران رضا تاغيبوريان، إن "تكليف الزرفي يشكل أكبر هزيمة لسياسة إيران التدخلية في العراق، ومنذ الإعلان عن هذا التكليف بدأت وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري الإيراني حملة تهدف إلى تدمير الزرفي".
ومن بين التهم الموجهة إليه هو أنه حمل الجنسية الأميركية لفترة من الزمن ويتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة. وأشار لديارنا إلى أنه "يمكن للمرء أن يدرك إلى أي مدى يثير هذا الأمر غضب طهران".
وأردف أن النظام الإيراني كان ليفضل شخصا مثل المالكي، لافتا إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق "عاش في طهران فترة من الزمن ويتحدث الفارسية جيدا".
وذكر تاغيبوريان أنه "بعد سنوات على وحدة الميليشيات الموالية لفيلق القدس في العراق، يبدو أن حقبة جديدة قد بدأت".
وأوضح أن "مقتل سليماني زعزع جميع معادلات إيران في المنطقة، ومع تكليف الزرفي منصب رئيس الوزراء في العراق، لا بد من القول إن إيران فقدت قوتها كليا لجهة السياسة الإقليمية".
وأضاف تاغيبوريان أن ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية المدعومة من إيران انتقدت تكليف الزرفي ووصفته بأنه "خيانة"، وهددت "بأنها لن تبقى صامتة" حيال هذا الأمر.
وتابع أن "هذه الميليشيات أثبتت أنها ستقوم بكل ما يمكنها من أعمال وحشية منافية للقانون لتحقيق هدفها"، محذرا من "ضرورة أخذ هذه التهديدات على محمل الجد واستخدامها كذريعة لحل هذه الجماعات في العراق".
مسار جديد للسياسة العراقية
وفي حديث لديارنا، قال الصحافي المقيم في طهران، حسين رجبي، إن ترشيح الزرفي لتولي منصب رئيس الوزراء جاء نتيجة مقتل سليماني وتراجع نفوذ إيران في العراق.
وأشار إلى أن "موت سليماني تسبب في انقسامات بين الجماعات الشيعية، ولا يوجد أي شخص آخر بإمكانه جمعها إلى طاولة واحدة إما عبر الوعود أو الوعيد".
وأكد رجبي أن "التخلص من سليماني قضى على أهم ورقة إيرانية في المنطقة، ولم يعد أمامها أي فرص للقيام بمثل هذه المناورات".
وأثار مقتله زوبعة كبيرة من جانب الحكومة الإيرانية، ووصل الأمر إلى درجة دفعت معها الحكومة العراقية باتجاه اتخاذ قرار غير ملزم يتعلق بانسحاب القوات الأميركية من البلاد.
وتابع رجبي أن المشهد السياسي سيتغير في عهد الزرفي.
وأردف أن "الزرفي بات معروفا في إيران بأنه حليف وثيق للولايات المتحدة ومناهض لتدخل ايران في العراق"، مشيرا إلى أن بعض الجهات الإيرانية تعمل على تشويه صورته وتحمله مسؤولية الهجمات على القنصلية الايرانية في النجف.
وختم رجبي موضحا أن "خلاف إيران مع الزرفي وعدائيتها نحوه تخطيا في الواقع الخلاف السياسي ليتحولا إلى تحدي جدي لنفوذ إيران في رسم مستقبل العراق".