أظهرت تقارير أن بيجين تحرز تقدما سريعا في تنفيذ خطتها الممتدة على خمس سنوات والتي تهدف إلى "تصيين" المسلمين وأقليات أخرى عبر تدمير رموز العمارة الإسلامية وفرض التربية السياسية في المساجد.
وفي إطار خطة "التصيين" الخمسية 2018-2022، عمل الحزب الشيوعي الصيني على إزالة قبب ومآذن المساجد وغيرها من رموز العمارة الإسلامية، مع حظر رفع الأذان في المساجد عبر مكبرات الصوت.
ويتم تطبيق الخطة بصورة نشطة في مختلف أنحاء الصين، وليس فقط في منطقة سنجان ذات الغالبية المسلمة.
ولفتت دبلوماسية بريطانية مؤخرا الانتباه إلى عملية إزالة قبب ومآذن المساجد في مقاطعة تشينغهاي.
يُذكر أن مسجد دونغ غوان في مدينة شينينغ قد بني في القرن الثالث عشر خلال عصر سلالة مينغ.
وقالت نائبة رئيس البعثة البريطانية في الصين كريستينا سكوت عبر موقع تويتر في 13 أيلول/سبتمبر، "أصبح الدليل السياحي الذي أملكه (منذ أربع سنوات) قديما. فهو يشير إلى ضرورة زيارة مسجد دونغ غوان الكبير. توجهت إلى هناك ووجدته مقفلا تحت ذريعة الترميم (الذي على ما يبدو يشمل إزالة القبة والمآذن...)".
ونشرت صورة للمسجد كانت مدرجة في الدليل السياحي وتظهر فيها قبة خضراء كبيرة في الوسط ومئذنتان، ومعها صورة أخرى التقطتها بنفسها للمبنى وهو خال من الرموز الإسلامية وأمامه علم الصين يرفرف في الخارج.
ورد أحد مستخدمي تويتر قائلا إن المآذن كانت ما تزال باينة للعيان في تموز/يوليو الماضي.
ونشرت سكوت أيضا صورا لمسجد نانغان المجاور، تظهر فيها سقالات في محيط القبة البيضاء للمسجد وقد أزيل الهلال من القبة والمآذن.
ʼوحدة وانسجامʻ
وتحدث عمليات التدمير هذه في كل أنحاء الصين.
فالسلطات أزالت القبب ورمز الهلال والنجمة من خمسة مساجد على الأقل في مقاطعة خنان، حسبما نقلت مجلة بيتر ونتر ومقرها إيطاليا في نيسان/أبريل 2020 في مقال عن الحريات الدينية وحقوق الإنسان في الصين.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، تمت إزالة الرموز الإسلامية في ما لا يقل عن 16 مسجدا بمدينة بينغليانغ بمقاطعة غانسو.
وفي حالة واحدة على الأقل، دمر عمال قبة وهلال مسجد وقاموا باستبدالهما بشعار "أحب الحزب وأحب الوطن. وحدة وانسجام".
ودمرت السلطات أيضا مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد، تحت ذريعة أن صوت الأذان "يزعج الناس".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أمرت وزارة الشؤون الدينية بمقاطعة غوان في ياوتشنغ، المساجد باستبدال الأذان بالنشيد الوطني الصيني.
وقال إمام محلي لمجلة بيتر ونتر، إن "ادعاء الحكومة هو مجرد حجة. فالناس يستمعون إلى الموسيقى ويرقصون على أنغامها. ألا يزعج ذلك الآخرين؟ لماذا تغض الحكومة النظر عن هذا الأمر؟".
وفي حين يعارض العديد من الأئمة والمسلمون الصينيون هذه التغييرات، أكدوا عجزهم عن مقاومة حملة التصيين التي يشنها الحزب الشيوعي الصيني.
وقال أحد أئمة يو تشنغ إن "الحكومة تخشى من اتحاد المسلمين مع أجانب، ولذلك يأمروننا بتحويل نمط العمارة الإسلامية إلى نمط العمارة الصينية. وإذا امتنعنا عن ذلك، قد يعتقلوننا ويجردوننا من دورنا كأئمة".
ʼلا نجرؤ على العصيانʻ
وفي هذا السياق، شرح علي وهو مزارع يبيع الرمان بالقرب من مسجد دونغ غوان، التحديات التي يواجهها الأئمة.
وذكر لإذاعة أن.بي.آر في مقابلة بثت يوم الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر، أن "الحكومة تقول إنها تريد تصيين مساجدنا لتشبه أكثر ساحة تيانانمن في بيجين".
وتحدث عن التغييرات الهيكلية قائلا "أعتقد أن شكل المسجد جيد كيفما كان. ولكن أي رأي يمكننا أن نعبر عنه أصلا؟ لم يكن لإمامنا ومدير مسجدنا خيار في المسألة. تم احتجازهما وأجبرا على التوقيع لصالح إزالة القبة".
تتسع قاعة الصلاة في دونغ غوان لعدد مصلين يصل إلى 3000 شخص، ولديه إحدى أكبر الرعايا في الصين. ويستخدم أيضا كمركز تعليمي ومؤسسة للتعليم العالي في الدراسات الإسلامية.
ولكن في ظل هذه التغييرات، يتوجه العديد من المسلمين المحليين إلى مساجد أخرى.
وقال أحد المسلمين المحليين لبيتر ونتر في العام 2019 إنه منذ تعيين الإمام ما تشانغ تشينغ الذي اختاره الحزب الشيوعي الصيني في العام 2018، "توقفت غالبية المصلين عن أداء الصلاة في مسجد دونغ غوان لأن كلام الإمام الجديد يتناقض مع القرآن الكريم ومعظم المسلمين يرفضون قبول ذلك".
وعوضا عن تدريس الفقه الإسلامي، يعطي الأئمة دروسا عن "التربية السياسية والفكرية" و"التاريخ الصيني".
وقال شخص صيني كبير في السن للمجلة "لم يكن لدينا من قبل حلقات دراسية تعنى بالسياسة والتاريخ الصيني. ولم تنظم هذه الحلقات للأئمة المستقبليين إلا بعد تعيين ما تشانغ تشينغ".
وأضاف "في حال عدم طاعتنا الأوامر، ستدفع الحكومة الشرطة المسلحة لمعاقبتنا. نحن الشعب العادي لا نجرؤ على العصيان".
ونقلت مجلة بيتر ونتر أن بعض الأئمة قاوموا التغييرات، فنظمت السلطات زيارة إلى مدينة جويوان في منطقة نينغشيا هوي المستقلة لإظهار كيف تم "تصيين" المساجد فيها.
وذكرت المجلة أن الزيارة هدفت إلى "كسر إرادتهم عبر تأكيد التنفيذ الحتمي لهذه السياسة في مختلف أنحاء البلاد".
قتل جماعي في سنجان
ومنذ سنوات والرئيس شي جين بينغ يدفع من أجل تطبيق "التصيين".
فقد قال في كلمة ألقاها في آب/أغسطس الماضي، إن المجموعات الدينية والعرقية "يجب أن ترفع عاليا راية الوحدة الصينية".
وتجلت هذه السياسة أكثر ما تجلت في منطقة سنجان، حيث قامت السلطات الصينية بسجن أكثر من مليون شخص من أبناء الأويغور ومسلمين أتراك آخرين من أبناء الكازاخ والقرغيز، وذلك في 400 مركز احتجاز تشمل معسكرات "التربية السياسية" ومراكز للاحتجاز ما قبل المحاكمة وسجون.
ويخضع أكثر من مليون شخص لمراقبة وسيطرة محكمة.
وتدافع بيجين عن هذه المرافق واصفة إياها بـ "مراكز تدريب فني" تهدف إلى القضاء على الإرهاب وتحسين فرص العمل.
لكن تقارير كثيرة وصفت هذه المرافق بأنها مراكز احتجاز قسري شبهها بعضها بـ "معسكرات الاعتقال".
وتقول الولايات المتحدة وبعض حكومات الغرب إن بيجين تنفذ عملية قتل جماعي بحق الأويغور ومجتمعات تركية أخرى في سنجان هي مسلمة بغالبيتها.
وتشير تحقيقات ومقابلات مستقلة مع أسرى سابقين إلى تعرضهم لتعذيب جسدي ومعنوي وغسل دماغ واغتصاب ممنهجوتعقيم قسري للنساء المسلمات وإزالة قسرية لأعضاء الجسدواعتداء جنسي وفظائع أخرى.
وتشمل الجرائم الأخرى التي ارتكبت في سنجان على يد السلطات الصينية الاحتجاز القسري لأكثر من ألف إمام وشخصية دينية في المنطقة، وتدمير نحو 16 ألف مسجد أو إلحاق الضرر بها.
ووجد تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية في العام 2019 أن عشرات المقابر قد دمرت في المنطقة، وتركت الأشلاء البشرية وأحجار القبور المكسورة متناثرة في تلك الأراضي.