قال خبراء أمنيون في المنطقة إن تواجد روسيا العلني في سوريا ولبنان والاتفاقيات الأمنية والاستخبارية التي أبرمتها مع هذين البلدين قد قوّضا قدرة إيران على توسيع رقعة نفوذها في الشام.
ولفتوا إلى أنه مع أن البلدين ظاهريا على نفس الجانب في الصراع بسوريا، إلا أن هيمنة روسيا تضمن عدم توفر أي مجال للنمو لإيران وعدم قدرة هذه الأخيرة على الاستفادة من حصة من الأرباح المحتملة التي تتأمل بها.
ويتواجد البلدان في عملية من التوازن غير المتكافئ، وفي حال فقد هذا التوازن، فقد يعرض ذلك أمن إيران القومي للخطر.
وقال الخبير الاقتصادي السوري والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق محمود مصطفى إنه "لدى مقارنة دخول كل من إيران وروسيا إلى منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا إلى منطقة بلاد الشام كسوريا ولبنان، فالكفة بالطبع ستميل بالنهاية لصالح روسيا".
وأضاف أن تدخل روسيا ونفوذها يأتيان "على حساب التدخلات الإيرانية التي تعتبر آنية"، لافتا إلى أن التدخل الروسي في سوريا ولبنان يسبق استقلال البلدين.
وأوضح أن "روسيا تعتبر المورد الأساسي للأسلحة لسوريا منذ عقود طويلة، وبين البلدين اتفاقات ثنائية عديدة تشمل جميع النواحي الأمنية والعسكرية والدفاعية والاقتصادية".
وقال إنه تم توقيع معظم هذه الاتفاقيات قبل اندلاع الحرب السورية، مع أنه جرى توقيع بعضها مؤخرا، أي بعد تدخل موسكو المباشر في سوريا بالعام 2015، "عند استشعارها بخطر سقوط النظام".
هيمنة روسية
وأضاف مصطفى أن العلاقة الأمنية والاستخبارية بين روسيا وسوريا "لا يمكن مقارنتها" بعلاقة سوريا مع إيران.
وشرح أن "روسيا تسيطر فعليا على أجهزة الأمن وقطعات الجيش، بالإضافة طبعا إلى عدد كبير من الميليشيات، مستغلة الروابط التاريخية والدينية والسياسية".
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى تقويض خطط إيران في عدة مناطق من سوريا.
وأوضح أن إيران كانت تهدف "على أقل تقدير" إلى إنشاء وجود لها في بعض المناطق من أجل السيطرة على الاقتصاد المحلي واستغلال الثروة الطبيعية لسوريا.
وذكر أنه من خلال ذلك، سعت إلى تعويض الخسائر التي تكبدتها في سوريا واستعادة الأموال التي أنفقتها من خزانتها العامة لدعم توسعها الإقليمي، لا سيما في ظل مواجهتها أزمة اقتصادية متفاقمة في الداخل.
ومن جهته، اعتبر الخبير السياسي عبد النبي بكار أن إيران اصطدمت بواقع النفوذ الروسي في سوريا ولبنان ومحاولات روسيا التمدد نحو منطقة الخليج.
وتابع أن الحنكة الروسية قد تؤدي إلى عزل إيران أكثر فأكثر عن جيرانها في الخليج، مشيرا إلى أنه لربما لهذا السبب "قامت إيران بطرح فكرة اتفاقية إيرانية روسية في المجال الأمني والاستخباراتي على روسيا".
هذا وأعلن السفير الإيراني بموسكو كاظم جلالي في منتصف تموز/يوليو عن اكتمال إعداد نص اتفاقية على مدى 20 سنة مع روسيا تغطي التعاون السياسي والأمني والعسكري والدفاعي والاقتصادي.
وقال إنه تم إعداد الاتفاقية بطلب من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ويمكن تمديدها لمدة تصل إلى 20 سنة، بحسب ما نقلته إيران انترناشونال.
وتأتي هذه الاتفاقية الجديدة، حسب بكار، بعد استشعار إيران بالخطر نظرا لحالة الصراع المكتوم في سوريا ولبنان، "مما قد يعرض المصالح الإيرانية للخطر الكبير".
وقال إنه في حال أدى التنافس بين القوات التابعة لروسيا والحرس الثوري الإيراني وأذرعه إلى اشتباكات مباشرة في سوريا، فقد تنتشر تبعات ذلك في إيران وقد تقوّض حتى الأمن القومي.
قوة ناعمة في لبنان
وفي هذا السياق، ذكر المحلل الأمني جميل أبو حمدان أن "إيران ورغم تمتعها بنفوذ قوي في لبنان بسبب وجود تنظيم حزب الله،... إلا أن النفوذ الروسي وعلى الصعيد الرسمي والحكومي يعتبر أقوى وذا فعالية واستمرارية".
وأضاف أبو حمدان، وهو ضابط متقاعد في الجيش اللبناني، أن هذا يأتي بعكس النفوذ الإيراني، واصفا هذا النفوذ بأنه "مرحلي وقد ينتهي بأي وقت أو تخف قوته بسبب الضغوطات الدولية".
وتابع أن روسيا طورت علاقة وطيدة مع العديد من العائلات السياسية البارزة في لبنان على مدى العقود الماضية، لافتا إلى أن لها صلة أيضا بالطائفة الأرثوذكسية في الشام.
وقال إن هذا النفوذ قد تعزز بعد تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية، وذلك بتعيين مستشار لرئيس الجمهورية للشؤون الروسية.
وأوضح أن "هذا أمر نادر لم يسبق أن حصل لأية دولة ويدل على مدى النفوذ الروسي الذي يصل إلى أعلى المستويات السياسية في لبنان".
يُذكر أن المسؤولين الروس قد عقدوا مؤخرا عدة اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين في لبنان والخارج، من أجل وضع حد للمأزق السياسي الذي يمنع منذ أشهر تشكيل حكومة جديدة.
وأشار أبو حمدان إلى أن روسيا تحاول أيضا بشكل منتظم التوغل في لبنان عبر اتفاقيات عسكرية مع الجيش اللبناني.
وأضاف أنه جرى إحباط هذه الاتفاقات بشكل متكرر نظرا للاعتبارات السياسية الدولية، وقد حصل ذلك مثلا في العام 2017 عندما زعم أن لبنان وافق أولا ثم جمّد اتفاقية أسلحة روسية بقيمة مليار دولار بعد ضغط أميركي.
وقبل لبنان بعد ذلك بمساعدات عسكرية روسية بقيمة 5 ملايين دولار في عام 2018، علما أن الأموال قد حولت، حسبما زُعم، إلى قوى الأمن الداخلي.
يُذكر أن الولايات المتحدة تعد الجهة المانحة الأهم للجيش اللبناني، إذ قدمت له دعما بقيمة أكثر من 1.5 مليون دولار منذ العام 2006.
وقال أبو حمدان إن نطاق التعاون الأمني والاستخباري بين روسيا ولبنان قد توسع في السنوات الأخيرة، تحت حجة إعادة توطين اللاجئين السوريين ورصد الأنشطة الإرهابية وغيرها.
وتشير أنشطة القوة الناعمة لروسيا في لبنان إلى أنها تعتبر البلد الشرق أوسطي الصغير امتدادا لسياستها الإقليمية باتجاه سوريا.