يقول الخبراء إن الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق قد أقدمت على تخفيض عدد مكاتبها في محافظات وسط وجنوب البلاد نتيجة ما تواجهه من غضب شعبي متزايد وصراعات داخلية متصاعدة.
حيث تم على مدار الأسابيع القليلة الماضية إغلاق مكاتب عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وكتائب حزب الله وحركة النجباء، كما تم رفع اللافتات من على واجهاتها، وذلك بناءً على أوامر من قادة تلك الميليشيات ومن قادة إيرانيين.
وأفاد الخبراء أن الميليشيات قامت بنقل مقارها بعيدًا عن منازل ومبانٍ تقع في أحياء مأهولة بالسكان إلى مواقع أخرى.
وقال المحلل الاستراتيجي حاتم الفلاحي لديارنا إن هذه الخطوة تأتي استجابة "لتوصيات" من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني.
وأضاف أن المظاهرات العارمة خلال الشهور الماضية في وسط وجنوب العراق، التي تضمنت احتجاجات ضد الميليشيات المدعومة من إيران، "قد كشفت أن تلك الميليشيات لا تحظى بتأييد الشارع العراقي كما كانت تزعم".
وأوضح أن كثير من العراقيين يلقون باللائمة على الميليشيات في ما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية وأمنية، مشيرًا إلى أن تلك الميليشيات تعمل لخدمة مصالح إيران وخططها في الهيمنة.
احتكاكات بين الميليشيات
وتابع الفلاحي أن "الميليشيات أيقنت أنه لا خيار أمامها سوى إغلاق مقراتها ومكاتبها لامتصاص السخط المتزايد عليها".
وذكر أنها تدرك جيدًا أنها فقدت الدعم الشعبي الذي كانت تحظى به في الماضي، حيث انقلب العراقيون ضد قادة الميليشيات الذين "سعوا إلى الثراء عبر الاستحواذ على الثروات الوطنية وتقوية نفوذهم في الحكومة".
من جانبه، قال الخبير الأمني ماجد القيسي في حديث لديارنا إنه تم تسجيل عمليات إحراق لعشرات المكاتب والمقار التابعة للميليشيات في الشهور الماضية.
وأضاف أن بعض تلك المقار أُحرق على أيدي متظاهرين غاضبين من نفوذ الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق ومن حملات القمع العنيف التي مارستها ضد الاحتجاجات الشعبية.
"لكن الكثير منها أُحرق أيضًا من قبل أعضاء ميليشيات منافسة، وهو دليل على وجود انشقاقات حادة بين تلك الفصائل المسلحة"، بحسب ما أكد.
وأوضح أنه يمكن النظر لخطوة تخفيض عدد مقرات الميليشيات في إطار تحرك استباقي لتقليل الاحتكاكات والصراعات والمحافظة على بنية تلك الفصائل ومنعها من التصدع.
وطالب الحكومة العراقية بوضع حد لتلك الميليشيات التي تهدد "هيبة الدولة وسيادتها"، وذلك عبر تقوية الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، وأيضًا محاربة الفساد.
ضغوط لتفكيك الميليشيات
بدوره، يرى المحلل الاستراتيجي والسياسي علاء النشوع في حديثه لديارنا أن السخط الشعبي الكبير ضد الميليشيات التي تدعمها إيران والاحتكاكات المتزايدة بينها قد دفعا قادة الميليشيات لتقليص ظهورهم العام.
وذكر أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن الميليشيات تشعر اليوم بالقلق على دورها "في ظل ما طرحته الحكومة الجديدة من رؤية لمنع الأنشطة المسلحة الخارجة على القانون"، مشيرًا إلى الاعتقالات الأخيرة التي طالت أعضاء من كتائب حزب الله في جنوب بغداد.
وأوضح أنه في ضوء هذا التدقيق المتزايد، يبدو واضحًا أن قادة الميليشيات يعتزمون "المناورة والتركيز على العمليات السرية".
وتابع أنهم يسعون كذلك "لحماية مواقعهم من الاستهداف من قبل طائرات التحالف الدولي في حال استمرت تلك الجماعات بنشاطاتها العدائية وخرقها للسيادة العراقية".
وشدد النشوع على أن مجابهة الميليشيات وتفكيكها ليس بالأمر الهين، حيث أنها تمكنت على مدى سنوات من تأسيس نفوذها وبناء شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية.
وأكد أن احتواء ذلك النفوذ سيتطلب جهدًا مستدامًا على مدار فترة زمنية طويلة، "وهو أمر ممكن في ظل التأييد الشعبي للحكومة في جهودها لتثبيت سيادة القانون ومحاربة السلاح المنفلت".