تمثل شبكات الأنفاق إحدى أدوات الحرب التي يستخدمها تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش)، وهي مصممة بشكل خاص لغايات المناورة والاختباء من الرصد الجوي وكمنافذ للهرب عندما تكون الهزيمة وشيكة.
وعادة ما تتضمن الأنفاق مسارات معقدة تحت الأرض وتكون مجهزة بوسائل إنارة ومؤن غذائية بحيث يمكن العيش فيها بصفة مؤقتة.
ولإضفاء طابع السرية عليها، توضع مداخلها في نقاط لا تثير الشك كالمنازل والمباني العامة، ويجري تمويهها وتلغيمها لردع الدخلاء.
وأثناء تقدم القوات العراقية لتحرير مدينة الموصل من قبضة داعش، فقد دمرّت العشرات من تلك الأنفاق، وكان آخرها في قرية "حليلة" بالجانب الغربي من المدينة.
فأثناء احتلالهم للقرية، أنشأ مسلحو داعش هناك شبكة أنفاق ومركز للسيطرة والقيادة مستغلين كثرة التلال والطرق الوعرة فيها.
وبحسب بيان لوزارة الدفاع العراقية صدر بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2017، فقد استخدم تنظيم داعش الأنفاق لأغراض "التنقل من منطقة إلى أخرى وكملاذ هربًا من الضربات الجوية".
وكان التنظيم يجهز لصد تقدم القطعات العسكرية بنحو 14 عجلة مفخخة وتنفيذ هجمات مباغتة انطلاقًا من تلك الأنفاق.
لكن الفرقة المدرعة التاسعة للجيش العراقي تمكنت من استباق الهجمات وتدمير دفاعات المسلحين وتأمين القرية بالكامل.
داعش تحت الأرض
ويشير رئيس أركان قيادة عمليات تحرير نينوى العميد رعد محمود إلى أن تنظيم داعش يعتمد على ثلاث استراتيجيات قتالية رئيسية، وهي العجلات المفخخة والانتحاريين وشبكات الأنفاق.
ويوضح "خلال معاركنا، عثرنا على عدة شبكات تركزت معظمها في شرق وجنوب الموصل، وأعقدها كانت تلك التي اكتشفت في بلدة القيارة ومناطق سهل نينوى".
وأكد محمود أن التنظيم يستغل "الطبيعة الجغرافية المعقدة والكثافة السكانية" في اختيار مواقع أنفاقه المحصنة.
وفي 27 كانون الأول/ديسمبر الماضي، اكتشفت القوات العسكرية "أكبر شبكة أنفاق" بالجانب الشرقي للموصل تمتد لعدة كيلومترات طولًا وبعمق يصل لعشرة أمتار.
وكانت تُسْتخدم كمأوى، حيث أنها مجهزة بالكهرباء والثلاجات والأطعمة والمياه، وكانت تشتمل كذلك على أماكن مخصصة للنوم والمعيشة.
ويذكر محمود بأن تنظيم داعش كان يحفر تلك الأنفاق إما بطريقة الحفر اليدوي باستخدام آلات بسيطة وإما باستخدام الحفارات والجرافات الآلية.
وأضاف أنه في الحالات التي حفرت فيها الأنفاق يدويًا، "ليس من المستبعد قيام التنظيم باستخدام السجناء للقيام بهذه الأعمال الشاقة".
أما الطريقة الميكانيكية التي تستخدم فيها معدات ثقيلة، فقد كانت شائعة أكثر في بناء الأنفاق العميقة والممتدة لمسافات طويلة، بحسب محمود.
الأنفاق السرية آخر ملاذ
واللافت أن بناء الأنفاق لم يكن عشوائيًا بل روعي فيه جوانب تتعلق بطبيعة التربة وهندسة المسارات والشقوق المحفورة مسبقًا والغرض الرئيسي من النفق.
فبعضها خُصص للتخفي والهرب، بينما استعمل البعض الآخر كمخازن للذخيرة والسلاح والعبوات الناسفة، حسبما يقول محمد إبراهيم رئيس اللجنة الأمنية بمجلس محافظة نينوى.
وأضاف لديارنا أن هذا النوع من الأنفاق عثر عليه بغرب الموصل، في منطقة وادي حجر وقرب معسكر "الغزلاني" وفي تلال منطقة "البو سيف".
ويؤكد إبراهيم أن التنظيم استخدم في حفرها آليات ومعدات كانت مخصصة للاستخدامات البلدية كمد خطوط الماء والمجاري.
كما أشار إلى تنظيم داعش الذي لا يزال يسيطر على جزء صغير داخل الموصل يحاول استغلال سراديب المنازل كأنفاق سرية.
وقال "معلوماتنا الاستخبارية تؤكد أن داعش أنشأ شبكات وممرات تصل من زقاق لآخر في المنطقة القديمة وفي حي 17 تموز كجزء من سعيه لإطالة أمد القتال بآخر معاقله في الموصل".
ورغم ذلك، صرح بنيان الجربا عضو مجلس محافظة نينوى أن الأنفاق لم تستطع منع الهزائم عن داعش، مضيفًا أن "القوات العراقية قد اكتسبت خبرة ومهارة كافية لمواجهة الإرهابيين على الأرض وتحتها".
ويضيف "بالنهاية هذه الاستراتيجية أظهرت فشلها الذريع، فجميع الأنفاق التي بناها العدو بالموصل وراهن على جدواها قد دُمَرتْ الآن وتحول الكثير منها إلى مقابر لعناصره".