في رد فعله الذي طال انتظاره على التسجيل الصوتي المسرب والمثير للجدل من مقابلة مع وزير الخارجية جواد ظريف، عاتب الزعيم الإيراني علي خامنئي ظريف على تصريحاته كاشفا بذلك حقيقة أولوياته.
وخلال المقابلة التي دامت 190 دقيقة، أكد ظريف مرارا وتكرارا ولاءه لخامنئي مشددا على دعمهما لبعضهما بعض.
لكن رد فعل خامنئي الذي أعلن عنه في خطاب متلفز بث في جميع أنحاء البلاد بعد أسبوع على تسريب التسجيل الصوتي طرح تساؤلات عدة حول مصير هذه العلاقة.
فقد أثبت أن خامنئي يفضل الحرس الثوري الإسلامي وسياساته التوسعية على الدبلوماسية أو الوفاء بالتزامات إيران الدولية.
لكن ذلك لا يعني أن ظريف ضد أي من هذه المبادئ.
فظريف يعتبر من أركان النظام، إذ انضم إلى صفوفه وهو طالب جامعي في الولايات المتحدة لم يتخط عمره 19 عاما. وكان من بين المجموعة التي اقتحمت القنصلية الإيرانية في سان فرانسيسكو في أوج ذروة الثورة الإسلامية.
ودافع أيضا عن التدخل الإيراني في المنطقة.
صديق سليماني
وأكد ظريف في المقابلة التي سرب مضمونها أنه كان صديقا للقائد الراحل لفليق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
وأوضح أن الحرس الثوري الإيراني يحدد سياسة إيران الخارجية لإيران ويسيطر عليها، وأن الأفضلية كانت تعطى دوما لساحة المعارك (في إشارة ضمنية إلى وجود الحرس الثوري الإيراني في المنطقة وتدخله في شؤون دولها) على حساب أي شكل من أشكال الدبلوماسية.
وحتى الآن، لم يعتذر ظريف من الشعب الذي وقع ضحية لهذه السياسات التي أدت إلى استنزاف الحرس الثوري الإيراني لخزائن الدولة والأنشطة السيبرانية غير المشروعة، بهدف تمويل تدخلاته الخارجية عبر وكلائه الإقليميين.
في المقابل، وبعد انتقادات خامنئي اللاذعة، اعتذر ظريف لابنة سليماني وعائلته بدلا من الاعتذار للشعب الإيراني الذي عانى لعقود من سياسات النظام.
فالشعب الإيراني يتعرض لضغوط اقتصادية شديدة ويعاني من تداعيات إنفاق أموال الدولة على تعزيز الوجود الإقليمي لإيران وحروبها بالوكالة في العراق وسوريا واليمن. لكن النخب الإيرانية - وعلى الأخص المرشد الأعلى نفسه - يتمتعون بازدهار غير مسبوق بسبب الفساد الذي ينتشر في البلاد.
وعلى الرغم من كل الدعم الذي يتلقاه خامنئي من ظريف وتبعية الأخير له، غضب المرشد الأعلى لأن مضمون المقابلة المسربة بدا وكأنه ينتقد القيود المفروضة على عملية صناعة القرار في وزارة الخارجية الإيرانية.
وفي نهاية المطاف، كشف هذا الأمر حقيقة أن "الميدان" (أي ساحة المعركة) له أفضلية على الدبلوماسية كما أكد ظريف مرارا وتكرارا.
أولويات خامنئي الواضحة
أولويات الجمهورية الإسلامية واضحة: الحرس الثوري الإيراني يقررها ويمليها، وظريف يطيع ويتأكد من تنفيذها بالطريقة التي يرغب بها الحرس الثوري الإيراني، ولا سيما أن كبار مسؤوليه يتمتعون بدعم لا يتزعزع من خامنئي.
وفي مراجعة لولاية خامنئي، يتبين أنه شخصية تسببت بالشقاق في إيران، وغالبا ما لجأ إلى الحرس الثوري الإيراني لقمع منتقديه.
وهو يحافظ على علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني ويدعمه بقوة ويخصص له ميزانية يرتفع حجمها عاما بعد عام، ويؤثر على جميع قراراته واستراتيجياته وإجراءاته.
وعلى مدى عقود، قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتمويل وتدريب الميليشيات التي تستخدم العنف والإكراه السياسي بهدف أخير هو تنامي نفوذ إيران الإقليمي.
وفي الوقت نفسه، جاء سوء الإدارة الخطير، سواء في الشق الاقتصادي أو غيره، بما في ذلك تعامل النظام مع جائحة فيروس كوروناالذي تسبب بوضع مأساوي، ليضيف مشاكل أخرى على تلك التي تعاني منها البلاد.
ولكي يبقى ممسكا بزمام السلطة ويحافظ على النظام، يحتاج خامنئي إلى التصالح مع القوى العالمية وإلى إجراء مفاوضات ناجحة مع الغرب.
لكن وسط كل المشاكل التي يواجهها، تمسك خامنئي بموقفه مؤكدا مرة أخرى على أولوية خياراته: السياسات التوسعية للحرس الثوري الإيراني.
وأوضح بذلك أنه يعتبر أن أهمية "الميدان" تفوق أهمية الدبلوماسية والسلام والاستقرار في المنطقة، وكذلك الاقتصاد المحلي ورفاهية الإيرانيين.