كشف تقرير جديد أنه في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في فبراير/شباط الماضي، وفيما احتشد المجتمع الدولي لإرسال المساعدات إلى الشعب السوري، استغلت إيران الكارثة لإرسال شحنات محملة بالمعدات العسكرية والأسلحة إلى سوريا.
وبينما أرسلت الدول الأخرى أغذية ومساعدات إنسانية للتخفيف من معاناة شعب كان يعاني أصلا من ويلات حرب امتدت أحد عشر عاما، فقد أثارت خطوة إيران هذه غضب الشعب السوري الذي اعتبرها لعبة قوة خبيثة.
ففي تقرير حصري لوكالة رويترز نشر يوم 12 نيسان/أبريل، أوردت الوكالة أنه عقب الزلزال، أرسلت مئات الشحنات إلى سوريا محملة بالمعدات العسكرية والأسلحة وهبطت في مطارات حلب ودمشق واللاذقية.
واستمرت هذه الرحلات لسبعة أسابيع، حسبما صرحت تسعة مصادر سورية وإيرانية وإسرائيلية وغربية للوكالة، حيث قامت قوافل من الشاحنات بنقل الأسلحة والمعدات إلى وجهات أخرى في البلاد.
وقد تم إخفاء المعدات في دير الزور ودمشق، حسبما قال فتحي السيد، الباحث المتخصص بالشأن الإيراني في مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يشحن فيها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أسلحة وينقل عناصر ميليشيات عبر مطارات سورية.
وصرح للمشارق أن الحرس الثوري الإيراني وأذرعه لطالما استخدموا المعابر الحدودية غير القانونية مع العراق في منطقة البو كمال لإدخال المعدات العسكرية.
فبعد الزلزال، أرسلت إيران شاحنات تحمل مساعدات إنسانية وسط ضجة إعلامية كبيرة.
وأشار السيد إلى أن "حجم الشحنات الجوية والبرية التي زعمت إيران بأنها أوصلتها إلى سوريا لإغاثة المتضررين من الزلزال لا يتطابق إطلاقا مع الكميات المتواضعة التي تم توزيعها على المدنيين".
وأكد أن "ما قامت به إيران يعتبر خرقا للمواثيق الدولية واستغلالا للأوضاع الطارئة التي تتيح نقل المساعدات حتى خلال الحظر والعقوبات".
وتابع أن الشحنات التي وصلت لسوريا من إيران عقب الزلزال لم تجضع إلا لتفتيش ضئيل وسط الجهود الجارية للإغاثة من الكارثة.
وتعليقا على تقرير وكالة رويترز، قال إنه من المرجح أن عمليات التهريب قد تمت أمام الجميع بسبب تغليف الأسلحة والمعدات العسكرية بحاويات تشير إلى أنها مواد غذائية أو مواد بناء.
وذكر أن الحرس الثوري كان بحاجة ماسة لمعدات لنظام الدفاع الجوي الخاص به الذي قصف في غارات جوية، ما أدى إلى تكبده خسائر ضخمة.
وحدات خاصة للتهريب
وفي حديثه للمشارق، قال شيار تركو المتخصص في الشأن الإيراني إن الحرس الثوري الإيراني يمتلك منظومة خاصة للقيام بعمليات التهريب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومناطق أخرى من إفريقيا يديرها ضباط رفيعو المستوى.
وأضاف أن هذه المنظومة تتكون من "شبكة متداخلة من الشركات حول العالم التي تمتلك وتؤجر سفنا وطائرات"، موضحا أن هذه الأخيرة تستخدم لإيصال "الأسلحة والمعدات العسكرية والصواريخ إلى دول عديدة".
وتابع أنه عادة ما تتجنب هذه الشبكة لفت الانتباه والعقوبات عبر تمرير الطائرات والسفن بعدد من البلدان قبل الوصول إلى وجهتها النهائية وإفراغ حمولتها.
إلا أنه في الحالة السورية، قامت هذه الشبكة بإيصال المعدات العسكرية بشكل مباشر من إيران إلى سوريا تحت ستار المساعدات الإنسانية، حسبما ذكر.
وأشهر هذه الوحدات التابعة لفيلق القدس الوحدة 190التي تضم 24 شخصا، بمن فيهم بهنام شهرياري صاحب شركة بهنام شهرياري التجارية، والذي يرتبط مباشرة بمؤسسي الحرس الثوري وفيلق القدس.
وتابع تركو أن شهرياري يستخدم عدة أسماء مستعارة، منها حجة الله نريماني وسيد علي أكبر مير وكيلي، وهو مدرج على القوائم السوداء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولشهرياري حسب تركو "العديد من الشركات الوهمية حول العالم التي تؤمن التمويل للحرس الثوري من خلال عمليات تهريب النفط والممنوعات والأسلحة والأموال".
وأوضح تركو أن تلك الشبكة ترتبط مع وسطاء ومسؤولين حكوميين في الصين وروسيا وعدد كبير من الدول.
ويتميز شهرياري أيضا بعلاقاته الوثيقة بمسؤولي حزب الله اللبناني الذي تدعمه إيران، كونه المورد الأول للأسلحة والمعدات العسكرية لهم منذ عقود.
وقد ورّد شهرياري أيضا أسلحة إلى أفغانستان وأذربيجان والعراق والسودان وتركيا.
وتنفذ الوحدة 18000 التي يقودها حسن مهدوي عمليات تهريب، وتشير التقارير إلى أنه يقوم بتنظيم الشحنات وجدولة مواعيد انطلاقها وأماكن ووقت وصولها.
وتنسق هذه الوحدة أيضا مع الوحدات الأخرى، كالوحدة 400 التي يديرها حامد عبد اللهي والوحدة 4400، وهي شبكة لبنانية تابعة لحزب الله يديرها محمد قصير، الذي يلقب بـ "الحاج فادي".
المطارات والمعابر البرية
من جهته، قال المحامي السوري بشير البسام للمشارق إن إيران كانت حريصة على السيطرة على المطارات في دمشق وحلب والمعابر البرية مع العراق، خاصة منطقة البو كمال.
وأضاف أن إيران وضعت يدها كذلك على أجزاء من ميناء اللاذقية، وأن كل هذه التحركات "كانت مدروسة بهدف تسهيل عمليات نقل الأسلحة والمعدات والعناصر لدعم النظام السوري والأذرع التابعة لفيلق القدس".
وأكد أن فيلق القدس لا يهتم بالخسائر المادية أو البشرية التي سيترتب عليها استعمال المطارات والممرات والموانئ المدنية لإغراض عسكرية.
وأشار البسام إلى أن فيلق القدس لديه "مكاتب دائمة في جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية لتنسيق وصول واستلام هذه الشحنات وإعادة توزيعها، إن كان في سوريا أو في لبنان"، حيث تضم هذه المكاتب ممثلين للتنظيمات التابعة للحرس في سوريا والعراق ولبنان.
ولفت البسام إلى أن الأسلحة والمعدات العسكرية تنقل من طهران إلى سوريا من خلال طائرات تابعة لشركات إيران إير وماهان للطيران وقزوين إير ومعراج إير، وهي شركات طيران إيرانية مدرجة على القوائم السوداء بسبب نشاطاتها الإرهابية.