تواصل حملة أمنية كاسحة في مخيم الهول شمالي شرقي سوريا تضييق الخناق على نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسط دعوات متجددة للدول لإعادة مواطنيها إليها.
ويضم المخيم الصحراوي مترامي الأطراف في محافظة الحسكة أفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش الذين قضوا، علما أن الكثير منهم متمسك بفكر التنظيم المتطرف.
وشكل التلقين العقائدي الذي يتلقاه بعض الأطفال على أيدي أمهاتهم مصدر قلق، أضيفت إليه مخاوف من تربية جيل جديد من المتطرفين داخل المخيم هو مشبع بمشاعر العداء والانتقام.
وتعززت هذه المخاوف بفعل محاولات التنظيم المستمرة للتوغل في الهول وتجنيد الأطفال وتحضيرهم ليصبحوا مقاتلين، على أمل استعادة دولة "الخلافة" المزعومة.
واعتقلت القوات الكردية التي تدير مخيم الهول عشرات الأشخاص المرتبطين بداعش، وذلك خلال عملية بدأت في 25 آب/أغسطس لتطهير المخيم من الخلايا الإرهابية.
وتعد "حملة الإنسانية والأمن" بقيادة قوات سوريا الديموقراطية وقوى الأمن الداخلي الكردية (الأسايش)، الثانية من نوعها خلال عام.
ووفقا لبيان صادر عن الإدارة العامة لقوى الأمن الداخلي الكردية، اعتقلت القوات الأمنية منذ بدء الحملة 121 شخصا على خلفية ارتباطهم بداعش، بينهم 15 امرأة.
وقال البيان إن القوات اكتشفت أيضا 16 نفقا وخندقا استخدمها المسلحون كمخابئ أو طرق للفرار من المخيم.
وبحسب اللواء علي الحسن من الإدارة العامة، اكتشفت قوات الأمن أن خلايا داعش كانت تستخدم 119 خيمة في المخيم لتدريب الأطفال على حمل السلاح واستخدامه ونشر الفكر الإرهابي.
وأشار إلى أن بعض الخيم استخدمت كـ"محاكم شرعية"، مضيفا أن سكان المخيم المعارضين لداعش اعتقلوا وعذبوا على أيدي المتطرفين.
ولفت إلى أنه تم العثور خلال الحملة الأمنية على أدوات للتعذيب، بالإضافة إلى عبوات ناسفة وهواتف وأجهزة كمبيوتر محمولة تابعة للتنظيم.
كتيبات للتلقين العقائدي
وقال مصدر محلي للمشارق طلب عدم ذكر اسمه، إن الهدف من الحملة هو "وضع حد للخطر الذي تشكله خلايا داعش في أعقاب تصاعد عمليات القتل والاختطاف من قبلها داخل المخيم".
وأوضح أنه تم العثور خلال الحملة على كتب كانت تستخدم لغسيل أدمغة الأطفال وتدريبهم على القيام بأعمال عنف، بما في ذلك القتل.
وفي 13 أيلول/سبتمبر، حررت وحدات حماية المرأة وهي قوة نسائية بالكامل، امرأة أيزيدية عراقية من قبضة العناصر المتطرفة داخل المخيم.
وقال المصدر إنها ثاني أيزيدية يتم تحريرها منذ بدء الحملة.
وجاء ذلك في أعقاب ورود أنباء عن قيام قوات الأمن بإنقاذ نساء أخريات تعرضن للاحتجاز والتعذيب على أيدي عناصر داعش.
وقبل بدء العملية، حصلت سلسلة من الحوادث الإرهابية التي أقلقت سكان المخيم البالغ عددهم 54 ألف شخص، وبينهم نحو 27 ألف عراقي و18 ألف سوري و8500 أجنبي.
السكان يريدون العودة إلى أوطانهم
وقالت سلمى وضاح وهي عراقية من محافظة نينوى تعيش في الهول منذ 6 أعوام، "سمعنا عن حالات خطف للأطفال وتعذيب، لكن في هذا القسم [من المخيم] لا يوجد شيء من ذلك".
وأضافت للمشارق "هربنا من العراق بعد اشتداد المعارك بين قوات الأمن وداعش بحثا عن الأمان. والآن نفتقد للأمان. لا نختلط مع الغرباء ولا نخرج إلا لجلب الطعام أو الأمور الضرورية".
وأبدت وضاح رغبتها في العودة إلى العراق.
وتابعت "لقد سئمنا من الحياة هنا. نريد أن نعود لبيتنا ونزرع أرضنا ويعود أبناؤنا لمقاعد الدراسة ونعيش بسلام".
ومنذ مطلع العام الجاري، قُتل في جرائم نفذتها خلايا تنظيم داعش 44 شخصا بينهم 14 امرأة وطفلين، وذلك باستخدام السكاكين ومسدسات مزودة بكاتم للصوت.
وتعرض بعض الضحايا للتعذيب وألقيت جثثهم في قنوات الصرف الصحي للتستر على الجرائم المرتكبة.
وبحسب الإدارة الكردية، وقعت نحو 13 محاولة خطف داخل المخيم وأضرمت النيران في الخيم أثناء نوم الضحايا. كذلك، تم إتلاف المساعدات الإنسانية وسط محاولات أخرى لإشاعة الفوضى.
تجدد الضغط لإعادة الأجانب إلى أوطانهم
وفي هذا السياق، واصل مسؤولو المخيم التأكيد على رسالتهم التي مفادها أن إعادة الأجانب إلى أوطانهم هي الحل الحقيقي الوحيد لمشاكل المخيم.
وخلال زيارة قام بها مؤخرا للمخيم حيث التقى بمسؤولين أكراد، أكد الجنرال مايكل "إريك" كوريلا من القيادة المركزية الأميركية على ضرورة إعادة الأجانب إلى أوطانهم.
وقال في العاصمة الأردنية عمّان يوم 12 أيلول/سبتمبر، "لا يوجد حل عسكري. نحن نشجع كل الدول على إعادة مواطنيها".
وأوضح أن "التحدي يكمن في أن نحو نصف سكان المخيم يأسفون على زوال تنظيم داعش ويؤمنون بأيديولوجيته البغيضة، والنصف الآخر ليس لديهم مكان آخر للعيش فيه ويريدون العودة إلى أوطانهم".
في هذا السياق، بدأ العراق بتنفيذ خطة لإعادة مواطنيه في 12 آب/أغسطس، وأعلنت السلطات أنه حتى 9 أيلول/سبتمبر أعادت 3090 فردا من مخيم الهول، غالبيتهم من كبار السن والأطفال.
ويخضع العائدون لعلاج نفسي مدة 4 أشهر على أيدي فريق دعم متخصص قبل نقلهم إلى أماكن إقامتهم السابقة، إذ تعتبرهم السلطات ضحايا لداعش وليسوا إرهابيين.
وتستعد نحو 200 عائلة عراقية لمغادرة مخيم الهول قريبا، إذ بدأت إدارة المخيم بالتنسيق مع الحكومة العراقية في تجميع أسمائها وبياناتها الشخصية تمهيدا لمغادرتها.