تشكل عملية ضبط أكثر من 200 طن من البنزين نفذها خفر السواحل الكويتي على متن سفينة إيرانية دليلا على جهود طهران المكثفة لتحقيق الأرباح من عمليات التهريب غير القانونية في المنطقة.
واعترض خفر السواحل الكويتي في 21 أيار/مايو سفينة على متنها ما يقدر بـ 240 طنا من البنزين المهرب داخل المياه الكويتية.
وقالت مصادر أمنية لجريدة القبس الكويتية إنه تم اعتقال المواطنين الإيرانيين الـ 8 الذين كانوا على متن السفينة.
وذكرت المصادر أن البحارة الإيرانيين اعترفوا بشراء البنزين المهرب من الكويت لبيعه في إحدى الدول الخليجية المجاورة، لافتة إلى أنه تم توثيق هذه الاعترافات قبيل إحالة الأفراد إلى النيابة العامة.
وتمثلت إحدى أساليب النظام الإيراني في استغلال مدنيين بدون درايتهم مثل الصيادين الفقراء، للقيام بما يريده من دون التورط مباشرة وبالتالي تجنب المسؤولية في حال ساءت الأمور.
شبكة من البحارة المخدوعين
ويعتمد الحرس الثوري الإيراني على شبكة من القراصنة والبحارة المخدوعين في منطقة الخليج لتهريب الأسلحة والوقود والمخدرات، بحسب خبراء وتقارير إعلامية.
وقامت شركات شحن إيرانية بخداع عدد كبير من البحارة الهنود للعمل في ظروف خطيرة تشمل نقل المخدرات والبضائع الخاضعة للعقوبات الدولية، وذلك مقابل تعويض محدود إذا وجد.
ويتم استدراج الآلاف إلى إيران كل سنة من قبل مجنِدين يعدونهم برواتب وخبرة على متن سفن عريقة، وكثيرا ما يعدونهم بالتعيين في دول أخرى من الشرق الأوسط، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست في كانون الثاني/يناير.
وبدلا من ذلك، يتم إرسالهم إلى إيران وإلى البحر تحديدا، حيث يعملون فوق طاقتهم ويحرمون من الطعام الكافي كما يجبرون في بعض الأحيان على نقل المخدرات والبضائع الخاضعة للعقوبات، بحسب ما ذكره أكثر من 20 شخصا تمت مقابلتهم لإعداد التقرير.
وقال بحار هندي يبلغ من العمر 28 سنة ذكر أنه عمل لصالح شركتين تورطتا بتهريب الديزل الإيراني بين عامي 2016 و2020، إن الناقلات التي تحمل النفط ترسو دوما في المياه الدولية التي تفصل بين إيران والإمارات.
وأوضح أن "حدود المياه الإماراتية تنتهي بعد 12 ميلا، وبالتالي تقترب السفن الإيرانية على مسافة 14 إلى 20 ميلا من الإمارات. وتطفئ هذه السفن نظام تحديد الهوية الآلي التابع لها لمنع تعقبها. وفي حال رأت خفر السواحل الإماراتي، توقف العملية وتقوم بالفرار".
وتتم عمليات النقل السرية عادة ليلا لمنع اكتشافها. وترسو السفن خارج الحدود الإقليمية للإمارات قبل أن تبدأ قوارب صغيرة تحمل الديزل الإيراني المهرب بنقل حمولتها القارب تلو الآخر إلى السفن التي تنتظرها.
وأشار محللون في مجال الطاقة والأمن الإقليمي إلى أن عمليات التهريب تتم بمشاركة عناصر من الدولة الإيرانية ولا سيما الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى شركات شحن خاصة متمركزة في دول الخليج.
ويمثل الصيادون هدفا أوليا لحملات التجنيد التي ينفذها الحرس الثوري، وفق ما ذكره عبد السلام محمد مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث.
وتابع "يعد الصيادون من دون شك الهدف الأسهل للتجنيد نظرا للظروف الصعبة التي يواجهونها وكونهم يعملون في البيئة البحرية".
وأوضح أن الصيادين يتميزون بمعرفة تلك المواقع بشكل جيد جدا. وقال "يملكون قوارب صغيرة يعرفها الأهالي ولا شبهات عليهم نظرا لطبيعة عملهم".
وشرح أنه لهذا السبب يسعى الإيرانيون لتجنيدهم.
توسيع نطاق عمليات التهريب
وإضافة إلى تهريب الديزل، تتورط إيران ووكلاؤها في الشرق الأوسط إلى حد كبير في تجارة المخدرات التي تشكل مصدر تمويل أساسيا لهم، وقد كشفت عمليات ضبط هذه المواد في مختلف أنحاء المنطقة مدى تورط جماعات مثل حزب الله اللبناني والحوثيين بشكل متزايد.
كذلك، تهرب الميليشيات العراقية المدعومة من إيران أو تسهل تهريب أنواع مختلفة من المواد المخدرة إلى العراق عبر حدود كل من إيران وسوريا.
وذكرت مصادر أن تهريب الأسلحة يوفر أيضا عائدات لإيران ووكلائها ويشكل دليلا على نوايا إيران العدائية تجاه أمن المنطقة واستقرارها.
وتابعت أنه من خلال الحوثيين، حولت إيران اليمن إلى مركز لتصدير الذخيرة والأسلحة إلى الجماعات الإرهابية في الصومال، وذلك في خطوة تنتهك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ولعب المواطنون الذين يشاركون المعلومات مع السلطات والأشخاص المطلعين والساخطين دورا أساسيا في الكشف عن هذه العمليات.
وشرح أحد المعارضين لحزب الله وطلب عدم الكشف عن هويته أن الأجهزة الأمنية اللبنانية "لديها مخبرين في فلك حزب الله".
وقال للمشارق إن هؤلاء المخبرين الذين يثق حزب الله بهم لتوضيب شحنات المخدرات المقرر تهريبها إلى الخارج يقدمون بلاغات للأجهزة الأمنية بشأن الشحنات، إضافة إلى تاريخ وصولها إلى مرفأ بيروت.
وتابع أنه "غالبا ما يقوم أفراد شبكات تهريب المخدرات بإبلاغ الأجهزة الأمنية بالشحنات وبمواعيد شحنها، وذلك بعد اندلاع خلافات بينهم على الحصص والأرباح".
وفي دول الخليج، تتحرك الأجهزة الأمنية أيضا على الفور بناء على بلاغات تتلقاها من المواطنين بالتعاون مع القوات البحرية المشتركة، وهي شراكة بحرية متعددة الجنسيات مقرها البحرين.
استياء في الداخل
وتجري عمليات التهريب التي ينفذها النظام الإيراني والميليشيات التابعة له في ظل الانهيار الاقتصادي الحاصل في الداخل الإيراني والتظاهرات المتزايدة في مختلف أنحاء البلاد.
واجتاحت التظاهرات بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية إيران في الأشهر الماضية، وكان رد الأجهزة الأمنية المحلية بسيطا: القمع. يُذكر أن هذه الأجهزة تتألف عادة من مزيج من قوات شرطة مكافحة الشغب وعناصر من الحرس الثوري منهم بلباس رسمي ومنهم بثياب مدنية.
وخرج المعلمون وعمال المصانع والناشطون العماليون إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم من النظام الإيراني، إلى جانب مزارعين يحتجون على انقطاع المياه وقرويين يشتكون من فشل نظام الصرف الصحي.
وفي هذه الأثناء، وفي وقت يروج فيه كبار المسؤولين الإيرانيين لما حققته صادرات النفط من دخل قياسي، يتساءل المشرعون والمراقبون والمدنيون إلى أين تذهب كل هذه الأموال.
ويرى العديد من الإيرانيين علاقة مباشرة بين اختلاس عائدات النفط والفساد بشكل عام، وضباط الحرس الثوري السابقين والحاليين الذين يتمتعون بتمثيل كبير مبالغ فيه ويشغلون مناصب رفيعة في إدارة رئيسي.
وفي 16 أيار/مايو، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية أن المسؤول السابق في الحرس الثوري محمد غائمي اعتقل في منتصف آذار/مارس بتهم تسريب ملف صوتي كشف فسادا في صفوف مسؤولين رفيعين بالحرس الثوري.
ويسجل الملف الذي سرب في 13 شباط/فبراير وتم نشره على نطاق واسع بعد ذلك محادثة عمرها 3 سنوات بين محمد علي جعفري الذي كان قائدا للحرس الثوري ونائبه الاقتصادي صادق ذو القدر نيا.
وتمنح هذه المحادثة سياقا جديدا للأحداث التي تناولتها الأخبار عام 2018، عندما سربت تقارير عن قضية فساد مستشر وعمليات غسيل أموال في شركة ياس القابضة، وهي واجهة للحرس الثوري أنشأت عام 2016.
وثبتت مسؤولية الشركة التي أنشأت على يد مجموعة من القادة النافذين في الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له، في قضية اختلاس نحو 130 تريليون ريال إيراني، أي ما كان يعادل آنذاك نحو 1.8 مليار دولار.
وتحدثت معلومات أن غائمي الذي كان مسؤولا تنفيذيا في شركة ياس، محتجز من قبل مديرية الاستخبارات بالحرس الثوري وليس لديه وصول إلى محام.
وبحسب معلومات أيضا، يدير مديرية الاستخبارات بالحرس الثوري حاليا مسؤولون مرتبطون ارتباطا وثيقا برئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وهو أحد أبرز الشخصيات التي تظهر مسؤوليتهم في الملف الصوتي المسرب.
ومع أنه اتهم باختلاس مبالغ طائلة أثناء عهدته كعمدة لطهران، فقد أفلت قاليباف دون أن يمس في محاكمة شهدت إدانة آخرين، ثم مضى ليصبح رئيسا للبرلمان في أيار/مايو 2020.