مع ظهور المزيد من الأدلة على حجم تورط المرتزقة المدعومين من روسيا بالحرب في أوكرانيا، يتساءل الكثيرون كيف ستلبي موسكو حاجات هؤلاء المقاتلين في ظل الضعف الذي بدا جليا في تأمين الإمدادات اللازمة للقوات الروسية في أوكرانيا.

وقدر مسؤول أوروبي الأسبوع الماضي أن ما يصل إلى 20 ألف عنصر من مرتزقة مجموعة فاغنر وهي شركة عسكرية روسية خاصة، ومن سوريا وليبيا، يقاتلون إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا.

وفي الشهر الماضي، تحدث ناشطون سوريون عن إعادة روسيا وحلفائها تنشيط مكاتب التجنيد التي استخدموها سابقا لتسجيل المرتزقة السوريين للقتال في ليبيا، وذلك من أجل حشد الدعم للغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي شباط/فبراير وتحديدا قبل الغزو الروسي، شوهد عدد غير مسبوق من المرتزقة المدعومين من الكرملين وهم ينسحبون من مناطق الصراع في إفريقيا ويعودون إلى سوريا وأوروبا الشرقية.

وأكدت رسائل سرية اعترضتها المخابرات الخارجية الألمانية في أوائل نيسان/أبريل، أن مرتزقة فاغنر لعبوا دورا رئيسيا في مجزرة بوتشا في أوكرانيا حيث تم العثور على أكثر من 400 مدني بعد إعدامهم.

ويُعتقد أن هؤلاء المرتزقة يشكلون الآن جزءا أساسيا من حملة الكرملين ضد شرق أوكرانيا، بعد تغيير روسيا استراتيجيتها في ظل الهزائم الكبيرة التي منيت بها في المدن الأوكرانية الكبرى.

وتم نشر مرتزقة فاغنر في أوكرانيا للمرة الأولى في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم. وفي السنوات اللاحقة، شاركوا في صراعات حول العالم، بما في ذلك في سوريا وموزمبيق والسودان وفنزويلا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي.

القوات الروسية جائعة وتفتقر للإمدادات اللازمة

وبينما يتوجه كل هؤلاء المرتزقة إلى أوكرانيا، تتزايد الأدلة على عدم تزويد القوات الروسية النظامية بما يلزمها من إمدادات وغذاء وقيادة.

وتختلف التقديرات بشأن الخسائر الروسية، ولكن قالت وزارة الدفاع الأوكرانية يوم الاثنين، 25 نيسان/أبريل، إن قواتها قتلت حتى الآن نحو 21 ألف و900 جندي روسي.

وأعرب محللون يدرسون وضع الجيش الروسي عن دهشتهم من سوء إدارة الهجوم.

فقد توقف تقدم مواكب الغزو بسبب نقص الوقود والإمدادات الأخرى وفُقدت على ما يبدو مئات المركبات المدرعة الروسية، كما قام الأوكرانيون الذين تتفوق عليهم القوات الروسية بالعديد والعتاد بمنع قوات الكرملين الجوية من السيطرة على الأجواء.

وفرّ الجنود الروس الجائعون من وحداتهم وتم تصويرهم وهم ينهبون محلات البقالة ويسرقون الدجاج من المزارع.

وفي هذا السياق، قال يوري بويتا وأصله من العاصمة الأوكرانية كييف وهو خبير ورئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ في مركز دراسات الجيوش والتحول ونزع السلاح، إن الحرب في أوكرانيا كشفت إلى أي مدى بالغ المجتمع الدولي في تقدير القدرات الروسية.

وأشار إلى قدم الأسلحة الروسية وعدم احترافية الضباط، إضافة إلى اعتماد النهج السوفياتي القديم للقيادة والسيطرة العسكرية والذي يقوم حصرا على التبعية الرأسية.

وأضاف بويتا "نشهد أيضا ضعف التنسيق بين مختلف القوات العسكرية، فضلا عن الاعتماد الهائل للتركيبة الصناعية-العسكرية الروسية على المكونات الغربية وما يصاحب ذلك من عدم القدرة على إنشاء دورة إنتاج مغلقة".

وعود فارغة للمرتزقة

ودفع كل ذلك المراقبين إلى التساؤل بشأن كيفية تمكن الكرملين من تأمين حاجات المرتزقة في وقت يعجز فيه حتى عن دعم جيشه.

ويعرف المرتزقة في سوريا الجواب على ذلك مسبقا: فالكرملين لا يدفع لهم.

وقال المواطن السوري إبراهيم البالغ من العمر 32 عاما وتم تجنيده في حلب عام 2020 للقتال لحساب الروس في ليبيا، إن السوريين ينجذبون إلى "الرواتب العالية [التي يفترض] أن تدفعها شركات الأمن الروسية بالدولار من خلال وسطاء في مكاتب التجنيد المنتشرة في مناطق سيطرة النظام".

ولكن لم يحصل كثيرون منهم إلا على جزء محدود مما وعدهم به المجندون.

وقال مراقبون إنه بالنظر إلى عزلة روسيا عن النظام المالي العالمي نتيجة عدوانها على أوكرانيا، من المرجح أن تعجز عن مواصلة الدفع لهم.

وفي وقت سابق من شهر نيسان/أبريل، توقع البنك الدولي أن تعاني البلاد من انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري بنسبة 11.2 في المائة بسبب العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي عليها ردا على الغزو.

وفي آذار/مارس الماضي، قدر الخبير الاقتصادي الروسي السابق في جولدمان ساكس جيم أونيل، أن الاقتصاد الروسي الذي احتل عام 2020 المرتبة 11 في العالم، قد يتراجع إلى المرتبة 15 مع نهاية العام 2022.

ومن جهتها، ذكرت مديرية المخابرات الرئيسة في وزارة الدفاع الأوكرانية على فيسبوك يوم 25 آذار/مارس، أن روسيا لم تستطع دفع أي من رواتب المرتزقة الذين يقاتلون في أوكرانيا عن شهر آذار/مارس.

وأضافت أنه نتيجة لذلك، ازدادت حالات رفض المرتزقة الذهاب إلى أوكرانيا.

وتشير الأدلة إلى أن المرشحين للتجنيد كمرتزقة باتوا حذرين من إمكانية تعرضهم للخداع، حسبما كشف تحقيق أعدته مجلة نيو لاينز في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وقالت المجلة "قد يتقاضون رواتبهم الموعودة في الأشهر القليلة الأولى قبل أن يتوقف دفعها لهم كليا أو أن يتم دفع مبالغ أقل عن ذي قبل. وإلى جانب الموت، هنا تكمن المخاطر المهنية للانضمام إلى [الشركات العسكرية الخاصة] في روسيا".

وذكر مسؤول من جهاز الأمن والاستخبارات في مولدوفا لنيو لاينز أن "المال يصبح وهما بالنسبة لهم. فيعتقدون أنهم سيسجلون أسماءهم ويذهبون للقتال ويكسبون المال ويدعمون عائلاتهم... ولكن عندما يصبح الأمر واقعا ويدركون أنهم لا يتلقون الأجر الذي وعدوا به، تبدأ الرغبة بالعودة إلى ديارهم بالظهور لديهم".

وكشف تقرير استقصائي صدر العام الماضي أن المجندين الروس الاستغلاليين سرقوا رواتب العديد من السوريين الذين أرسلوا وفي بعض الأحيان قسرا، لخوض حروب في مناطق نزاع كليبيا وناغورنو كاراباخ، ما دفع بالعديد من هؤلاء الشباب إلى ارتكاب جرائم من أجل البقاء على قيد الحياة.

وأوضح التقرير بالتفصيل كيف أنه لم يكن أمام العديد من المقاتلين الذين أرسلوا إلى ليبيا أو ناغورنو كاراباخ، أي خيار في هذه المسألة ولم يتلقوا سوى جزء بسيط من الأموال التي وعدهم بها المجندون.

وقال المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محمد العبد الله، إن ترك مشاركين في عملية سرية بمنطقة حرب أجنبية دون أجر يؤدي حتما إلى ارتكابهم جرائم.

وصرح لوكالة الصحافة الفرنسية عام 2021 أن "تخفيض أجور المقاتلين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، دفعهم إلى الانخراط في المزيد من الأنشطة الإجرامية".

وأضاف العبد الله أن المرتزقة السوريين ارتكبوا عمليات سطو وإتجار بالجنس وخطف في ليبيا.

وتابع التقرير أن تجنيد المرتزقة كان له أيضا آثار سلبية على النساء والأطفال الذين تركوهم وراءهم في سوريا.

وواجهت غالبية عائلات المرتزقة "صعوبات اقتصادية أكبر واضطرابات اجتماعية".

عائلات عناصر مجموعة فاغنر متروكة ومعدمة

ولكل ما سبق انعكاسات سلبية على عائلات مرتزقة فاغنر التي قيل لها إنه سيتم الاعتناء بها في حال قتل أو أصيب الأزواج أو الأبناء في المعارك.

وفي هذا الإطار، طالبت المواطنة الروسية الثكلى أولغا ماركيلوفا الكرملين بتحمل مسؤولية مقتل المرتزقة الذين يتم إرسالهم في مهمات خارجية سرية، حسبما أفادت وكالة رويترز في شباط/فبراير 2019. وكان زوجها السابق ديمتري من مرتزقة فاغنر وقتل بسوريا في كانون الثاني/يناير 2017.

وفي عام 2019، كانت عائلة جندي روسي قتل في ساحة القتال تحصل على مبلغ مالي من الحكومة قدره 3 ملايين روبل روسي (38 ألف و860 دولارا أميركيا)، إلى جانب مبلغ شهري قدره 14 ألف روبل روسي (181 دولار أميركي).

ومع ذلك، اعتبرت السلطات أن ماركيلوفا لا يحق لها الحصول على مساعدات مالية اجتماعية، لأن ديمتري كان في سوريا في مهمة خاصة ليست رسمية، وفقا لرويترز.

أما تعويض الوفاة المنفصل التي تدفعه مجموعة فاغنر، فقد استفاد منه أحد أقرباء زوجها السابق لأنهما كانا مطلقين.

وفي كثير من الأحيان، لم يتم اطلاع عائلات المقاتلين القتلى كيف قضوا أو حتى أين بالضبط.

وقُتل يفجيني أنتيبوف وأصله من مدينة أوديسا الأوكرانية، في مكان ما بالقرب من مدينة حمص السورية في 9 حزيران/يونيو 2017، وهو اليوم الذي قُتل فيه ما لا يقل عن 4 مرتزقة آخرين من مجموعة فاغنر.

وتلقت والدته سفيتلانا نبأ وفاة ابنها بعد أكثر من شهر. وكانت تعمل آنذاك في بولندا، لكنها أعطيت مهلة 24 ساعة فقط لزيارة قبره في مدينة روستوف أون دون الروسية، حسبما أخبرت مجلة نيو لاينز.

وأضافت أنه قيل لها "إذا كنت تريدين البقاء على علاقة طيبة معنا، فلا تطرحي أي أسئلة". وتم تحذيرها أنه في حال استمرت في طرح الأسئلة، فلن تتمكن من زيارة قبر ابنها مرة أخرى.

ومن جهة أخرى، قال والده يوري إن أحدا لم يعرض عليه أي تعويض عن وفاة ابنه الوحيد.

وبحسب المجلة، وصف هكذا تعويض بأنه "ثمن الدم" وأكد أنه لن يقبله بأي حال من الأحوال.

وقال يوري "أريد فقط معلومات عن ابني، أريد أن أعرف كيف انتهى به الأمر هناك".