في وقت يبدو فيه اتفاق الصين مع العراق لبناء ألف مدرسة تحتاج إليها البلاد بصورة ملحة خطوة جيدة، أعرب بعض العراقيين عن خشيتهم من أن تحاول الصين استغلال مثل هذه المشاريع الاستثمارية لتحقيق نفوذ لها في البلاد.
وأوضحوا أنهم يخشون أن تستغل الصين الوضع والشعور بالرضا الذي تخلقه مثل هذه المشاريع لكسب موطئ قدم أكبر لها في الاقتصاد العراقي، تسعى عبره لجني ثمار استثمارها طوال السنوات مقبلة.
وقد يتبين أن الكلفة الفعلية والجيوسياسية للمساعدة الصينية هي باهظة، حسبما قال سياسيون ومحللون عراقيون للمشارق.
وبدأت تظهر هذه المخاوف مباشرة بعد توقيع العراق اتفاق مع بكين في 16 كانون الأول/ديسمبر لبناء ألف مدرسة في البلاد، تسدد تكلفتها من مبيعات النفط.
ويشمل الاتفاق 15 عقدا ستقوم بموجبها شركتي "باور تشاينا" و"سينوتيك" الصينيتين بإنشاء 679 و321 مدرسة بالتوالي، وذلك على مدى سنتين.
ووفق الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، سيستند تشييد الأبنية المدرسية إلى متطلبات كل محافظة.
وسيعتمد أيضا على "كثافة السكان وعدد المدارس الطينية، وأيضا عدد المدارس ذات الدوام المزدوج لتخفيف الزخم وتوفير بيئة ملائمة للتعليم".
ويحتاج العراق لأكثر من 12 ألف مدرسة لاستيعاب الطلاب الذين يقدر عددهم بـ 11 مليون طالب في المراحل كافة، والحد من الاكتظاظ في الصفوف الدراسية. ويسعى أيضا إلى التخلص من المدارس الطينية المتهالكة والتي يزيد عددها عن ألفي مدرسة.
وذكر الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي أن المشروع يسيساعد في دعم العملية التربوية وتوفير الأبنية المدرسية التي تفتقر إليها مديريات التربية في المحافظات.
وأشار إلى أن الملفات القانونية والمالية والفنية للمشروع قد اكتملت، إضافة إلى إعداد التصاميم والمصادقة عليها وتجهيز الأراضي للبدء بالعمل قريبا.
إثقال العراقيين بالديون
وفي حديثه للمشارق، ذكر البرلماني السابق طه اللهيبي، أن المشروع هو من حيث المبدأ خطوة جيدة "لانتشال البلد من أزمة نقص المدارس التي يعاني منها العراقيون منذ سنوات طويلة".
وتابع أن "واقع التعليم اليوم مزر، فالحروب والفساد عطلا افتتاح هكذا مشاريع تحتية مهمة تتيح أماكن ملائمة للدراسة وتساهم في بناء مهارات الطلاب وتطويرها".
وشدد على الحاجة للشروع في بناء المدارس، لكنه أعرب أيضا عن خشيته من محاولة استغلال الصين الأزمات المتعددة التي يواجهها العراق لإثقال العراقيين بالديون.
وحذر من أن الصين قد تحاول التوسع في السوق عبر استثمارات تستنزف الثروات والموارد الوطنية في العراق.
ومن المقرر تغطية تكاليف مشروع المدارس من عوائد برنامج "النفط مقابل الإعمار"، وذلك بموجب اتفاق يعود للعام 2019 أبرمه رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أثناء زيارته للصين.
وآنذاك، أثار الاتفاق جدلا حول دور عبد المهدي في منح حوافز اقتصادية للصين عبر بيع النفط العراقي بأسعار تفضيلية وإقحام شركات إيرانية في مشاريع الاستثمار.
وتخوف البعض من أن تؤدي هذه السياسة إلى إغراق العراق بالديون.
وينص اتفاق التعاون الإطاري بين العراق والصين على أن يتم إيداع عائدات بيع مائة ألف برميل نفط إلى الصين بشكل يومي في حساب مصرفي محدد.
وتستخدم هذه الأموال للإنفاق على مشاريع الإعمار والبناء في قطاعات عدة.
وأوضح اللهيبي أن الشعب العراقي سيرفض حتما العقود مع الصين إذا تبين أنها مجرد واجهة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني "وإمداد الإيرانيين بالتكنولوجيا والأسلحة من أموال العراقيين".
وأشار إلى أن وكلاء إيران في العراق سبق أن دافعوا بشراسة عن الاتفاق مع الصين لأنه يخدم مصالح النظام الإيراني.
الصين تستفيد من وكلاء إيران
من جانبه، أكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين للمشارق، أن الصين "تستفيد من التيارات العراقية المتحالفة عقائديا مع إيران".
وتابع أن جماعات نافذة تدعمها إيران تدافع عن مصالح الصين، ما يعطي هذه الأخيرة فرصة أكبر على المنافسة والتوسع في سوق الاستثمار العراقي.
وذكر حسين أن بكين تطمح للتوسع أينما تستطيع ذلك، لتعزيز مكانتها كثاني أقوى اقتصاد في العالم والدفاع عن مصالحها.
ولفت إلى مساعي الصين لدخول سوريا بقوة ومساعدة النظام الحاكم بخطة إعادة الإعمار التي قدرت تكلفتها بـ 850 مليار دولار.
لكنه أشار أيضا إلى أن عقود بناء المدارس التي وقعت مع الصين "لا تعتبر تعاقدات عملاقة تختص بمشاريع ضخمة كالطاقة والبتروكيمياويات والاستثمارات في المعادن" .وإن ابرامها لا يعني بالضرورة ان الصين في طريقها للهيمنة اقتصاديا على العراق.
وختم مؤكدا أن "إبرامها لا يعني بالضرورة أن الصين في طريقها للهيمنة اقتصاديا على العراق"، مشيرا إلى أن طرح الصين بوصفها الدولة الوحيدة الراغبة أو القادرة على تنفيذ استثمارات ضخمة هو "فكرة خاطئة".