بيشكيك - عايدة (اسم مستعار) هي واحدة من مواطنين قرغيزيين عدة ما يزال أقاربهم عالقين في مخيم الهول للاجئين الواقع في شمال شرقي سوريا بالقرب من الحدود مع العراق.
ويبلغ عدد سكان مخيم الهول نحو 62 ألف نسمة، أكثر من 80 في المائة منهم من النساء والأطفال من 60 دولة مختلفة، وفقا للأمم المتحدة.
ومن بينهم شقيقة عايدة وابنها البالغ من العمر 6 سنوات.
وانضمت عايدة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر إلى أقارب آخرين لنساء وأطفال من قيرغيزستان لا يزالون في سوريا، لمناشدة الرئيس القرغيزي صدير جاباروف لمساعدتهم أو إعادتهم إلى ديارهم.
وقالت عايدة لموقع كارفانسراي يوم الإثنين، 15 تشرين الثاني/نوفمبر، "لا يزال هناك المئات من النساء والأطفال من قيرغيزستان في هذا المخيم".
وأضافت "الوضع هناك كارثي اليوم، فكثير من اللاجئين ليس لديهم مكان ليناموا فيه وهناك نقص حاد في الخيم، وحتى من لديهم خيم فهي لن تقيهم شر الطقس البارد الذي بات على الأبواب".
ولم تذكر إدارة جاباروف بعد ما إذا اتخذت أي قرار بهذا الشأن.
وقالت عايدة "لقد أنقذ قادتنا بالفعل العديد من الأطفال في سوريا والعراق، ولن نفقد الأمل".
ووضعت دول آسيا الوسطى سياسات من الصفر لإعادة مواطنيها، ولعدم خبرتها في هذا المجال واجهت تحديات عدة مثل محدودية الموارد الاجتماعية والاقتصادية والبنى التحتية، بحسب ما ذكره إميل جوراييف أستاذ العلوم السياسية والمحاضر في أكاديمية أوسي في بيشكيك.
ولفت إلى أن كازاخستان وأوزبكستان حققتا أكبر النجاحات، إذ نظمت كل منهما رحلات جوية عدة لإعادة النساء والأطفال بشكل رئيسي، في حين كان لدى قيرغيزستان وطاجيكستان رحلة مماثلة واحدة فقط لكل منهما.
وكانت كازاخستان أول دولة في آسيا الوسطى تبدأ عمليات إعادة رعاياها، وتمكنت حكومتها من ترحيل أكثر من 700 من الكازاخستانيين من سوريا والعراق بين عامي 2019 و2021 في إطار عملية جوسان (الشيح المر).
ومن جانبها، أعادت أوزبكستان أكثر من 318 امرأة وطفلا أوزبكيا من سوريا والعراق على ثلاث 3 دفعات.
وحذت كل من طاجيكستان وقيرغيزستان حذوها ونظما عمليات مماثلة.
وقال جورييف لكارافنسيراي "من الصعب تحديد مشكلة واحدة بعينها. فكانت التحديات كثيرة ولكل واحدة منها أوجه متعددة. ولم يكن الوضع الاجتماعي-الاقتصادي أهمها".
وفي المرحلة الأولى، حصلت عملية تفاوض صعبة مع الحكومة العراقية، ناهيك عن عدم القدرة على إجراء أي مفاوضات على الإطلاق مع السلطات السورية.
وأضاف أنه بدون موافقة الدولة المضيفة وتعاونها، كان تنظيم رحلات جوية لإعادة مواطني آسيا الوسطى إلى وطنهم مستحيلا.
لكن حتى عندما يعود هؤلاء إلى وطنهم، تواجههم مشاكل قانونية إذ أن الكثير منهم وخاصة الأطفال، لا يملكون وثائق ثبوتية، حسبما أوضح جورييف.
ومن الصعب تجديد الوثائق الثبوتية لمن لم يملكونها أصلا. وغالبا ما يتبين أن أطفال العائدين وُلدوا في منطقة حرب، أو أنه لا يمكن التعرف على والديهم أو أن هؤلاء ماتوا في الحرب، ما يجعل من المستحيل تحديد هوية اليتيم ووضعه القانوني.
وأكد جورييف أن "هذه المهمة تتطلب تعاونا شديد التنسيق بين عدد كبير من المؤسسات، سواء كانت وكالات حكومية أو منظمات دولية غير حكومية ذات صلة".
وأشار إلى أنه على دول آسيا الوسطى بذل المزيد من الجهود لأن "معاناة الآلاف من الأشخاص مستمرة في سوريا في ما يسمى بمخيمات النازحين من أماكن إقامتهم، أو بالأصح من بلدان مختلفة، بينها دول آسيا الوسطى".
وتابع جورييف "ثمة وضع إنساني كارثي في سوريا، وعلينا وضع آليات جدية وفعالة لإعادة الناس إلى أوطانهم من هناك وتأهيلهم في بلادهم، الأمر الذي سيتطلب ضخ المزيد من الأموال".
إعادة تأهيل
وشجب جورييف نزعة البعض إلى وصم العائدين.
وذكر أن الرفض الاجتماعي يسبب صدمة نفسية قد تدوم مدى الحياة، والأطفال معرضون بشكل خاص لهذا الخطر.
وأردف أن "أصعب مهمة هي ضمان أن يصبح العائدون من سوريا والعراق مواطنين بكل ما في الكلمة من معنى".
وفي حين وصمت وسائل الإعلام الذين سافروا إلى مناطق النزاع بوصمة المتعصبين دينيا، فإن دوافعهم الحقيقية متنوعة وفقا لمديرة مركز الدراسات الدينية في بيشكيك، إنديرا أصلانوفا.
وقالت أصلانوفا إن "العامل الديني موجود بالفعل، لكنه في بعض الحالات قد يكون مجرد صفة خارجية تخفي الدوافع الحقيقية التي قد تكون مختلفة".
وأشارت إلى أن منظمتها أجرت دراسة حول سجناء في قرغيزستان أدينوا بالمشاركة في الحرب في سوريا والعراق.
ووجدت أنه بالنسبة لنصف العينة، كان دافعهم الرئيس هو مساعدة المسلمين الآخرين والنساء والأطفال المنكوبين.
وأردفت أصلانوفا "لم تكن نية هؤلاء الناس إقامة دولة الخلافة. كل ما فعلوه هو الانجرار وراء دوافع إنسانية".
وأضافت إن إعادة التأهيل، بما في ذلك "فضح زيف" الأيديولوجية المتشددة، يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية كأن تثير الاهتمام في هذا الموضوع.
وأوضحت أنه "قبل تقديم طلب إعادة التأهيل، يجب القيام بعمل جاد لتقييم دوافع العائدين وسبب انضمامهم إلى الجماعات المحظورة، ومعرفة أيديولوجيتهم".
مؤتمر إقليمي يبحث في إعادة دمج العائدين
واجتمع مسؤولون ومحللون من دول آسيا الوسطى أواخر الشهر الماضي في بشكيك لمناقشة تحديات إعادة تأهيل ودمج المواطنين الذين عادوا من مناطق الصراع في سوريا والعراق.
ونظمت منظمة البحث عن أرضية مشتركة الدولية غير الحكومية هذا الحدث، كجزء من مبادرة أمنية لمجموعة دول سي 5+1 وهي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان والولايات المتحدة.
وحضر هذا المؤتمر الإقليمي مسؤولون حكوميون وخبراء وممثلون عن المجتمع المدني، وشكل منصة لتبادل المعرفة والخبرات حول كيفية مقاضاة وتأهيل وإعادة دمج العائدين من مناطق الصراع.
وشارك فيه ممثلون عن المفوضية الأوروبية والمعهد الأميركي للسلام وجامعات دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى خبراء ممارسين يعملون مع الذين عادوا من سوريا والعراق.
وقالت منظمة البحث عن أرضية مشتركة في بيان صحافي إن الصراع المسلح في سوريا والعراق وعواقبه، بات يشكل تهديدا أمنيا خطيرا لحكومات آسيا الوسطى وشعوبها.
ووفقا للمنظمة، توجه أكثر من 4000 من سكان المنطقة إلى مناطق الحرب في الشرق الأوسط كمقاتلين أجانب.
وقد قتل أغلب المقاتلين الرجال من آسيا الوسطى في المعارك، تاركين وراءهم زوجاتهم وأطفالهم في مخيمات اللاجئين أو السجون.