بوهونيكي، بولندا - وري الثرى يوم الاثنين، 15 تشرين الثاني/نوفمبر، مراهق سوري في جبانة للأقلية المسلمة في بولندا، بعد أن لاقى حتفه غرقا في تشرين الأول/أكتوبر أثناء عبوره نهر في محاولة للتسلل إلى الاتحاد الأوروبي من بيلاروسيا.
وبعد أن أداء صلاة الميت أمام المسجد الخشبي في بلدة بوهونيكي الشرقية، شاركت مجموعة صغيرة من الناس في مراسم تشييع المهاجر.
ولم تتمكن عائلة الشاب أحمد الحسن البالغ من العمر 19 سنة من حضور المراسم، وتتبعتها عبر هاتف طبيب سوري يقيم في المنطقة منذ سنوات.
وقال الزعيم المسلم المحلي ماتشي تشيسنوويتش لوكالة الصحافة الفرنسية، "هو إنسان، وحقه علينا الحصول على مراسم تشييع ملائمة. نشعر بوجعهم جميعا".
وأضاف "إنه شاب مسلم، ومن واجبنا المساعدة".
وتضم الطائفة الإسلامية التي يقودها تشيسنوويتش نحو 300 شخص، تعود جذورهم إلى التتار المسلمين الذين قدموا إلى المنطقة منذ مئات السنين.
ومن أصل تعداد سكاني يبلغ 38 مليون نسمة، تضم بولندا ذات الغالبية الكاثوليكية نحو 30 ألف مسلم فقط بينهم خمسة آلاف من التتار.
والحسن الذي كان واحدا من بين ما لا يقل عن 11 مهاجرا لقوا حتفهم على الحدود، وري الثرى على بعد أكثر من 2300 كيلومترا من بلدته الأم حمص في سوريا التي مزقتها الحرب.
أحلام محطمة
وقال تشيسنوويتش إن المراهق توفي أثناء محاولته عبور نهر باغ منطلقا من بيلاروسيا.
وذكر مهاجر آخر كان قد نجا بعد عبوره النهر الشهر الماضي للسلطات البولندية، أن حراس الحدود في بيلاروسيا رموا بهم في النهر مع أنهم كانوا يعلمون أنهم لا يعرفون السباحة.
وقال الطبيب السوري الذي نقل مراسم التشييع للعائلة في بث مباشر، قاسم شادي، إن الحسن "كان يأمل بمتابعة دراسته التي بدأها في مركز للاجئين في الأردن".
وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية "كان يسعى وراء الأمور نفسها التي يسعى إليها أي شاب حالم، لكنه لم ينجح بذلك. كان الموت أسرع منه".
يُذكر أن آلاف اللاجئين والعديد منهم هربوا بعد أن يأسوا من الحرب في الشرق الأوسط، حاولوا عبور الحدود في ظروف مناخية غالبا ما تكون قاسية وبرد قارس، مع رفض بيلاروسيا السماح لهم بالعودة إلى مينسك والتوجه جوا إلى وطنهم، وعدم سماح بولندا لهم بالعبور وطلب اللجوء.
ويتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا باستدراج المهاجرين إليها لإرسالهم عبر الحدود انتقاما من العقوبات التي فرضت عليها العام الماضي بعد تنفيذها حملة قمع قاسية ضد المعارضة.
وقال مسؤولون إنه يتم تحريض المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا من قبل الحليف المقرب لروسيا أي بيلاروسيا، لاقتحام الحدود البولندية من أجل الضغط على الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات.
واتهم رئيس الحكومة البولندي ماتيوز موراويكي في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بتنظيم قدوم موجة غير مسبوقة من المهاجرين ودفعهم لدخول بولندا من بيلاروسيا بطريقة غير قانونية.
وقال إن الخطوة التي أدت إلى محاصرة مئات المهاجرين عند حدود بولندا-بيلاروسيا، تهدد بزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي.
وفي جلسة طارئة للبرلمان البولندي، قال موراويكي إن "العقل المدبر لهذا الهجوم الذي يشنه [الرئيس البيلاروسي ألكسندر] لوكاشينكا موجود في موسكو. العقل المدبر هو الرئيس بوتين".
وضع متوتر
وردت بولندا على تدفق المهاجرين بإرسال آلاف الجنود إلى الحدود وإنفاذ حالة طوارئ في المنطقة، إضافة إلى الإسراع ببناء سياج من الأسلاك الشائكة.
والأسبوع الماضي، قالت الشرطة البولندية إنها اعتقلت أكثر من 50 مهاجرا كانوا قد عبروا الحدود من بيلاروسيا إلى بولندا خلال 24 ساعة، وإنها ما تزال تبحث عن آخرين في ظل إعلان وارسو عن ارتفاع في عدد عمليات العبور.
وأثار الوضع المتوتر مخاوف من مواجهة على الحدود حيث تنتشر قوات من البلدين.
وقال وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك للإذاعة الوطنية في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، إن "الوضع ليس هادئا"، مضيفا أن مجموعات أصغر من المهاجرين تحاول الآن اختراق حدود الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ودعت الولايات المتحدة مينسك إلى وقف ما وصفته بالتدفق المنظم للمهاجرين، فيما دعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات جديدة على النظام.
واتهم حلف شمال الأطلسي مينسك باستخدام المهاجرين كبيادق سياسية، كما ندد باستخدام بيلاروسيا للمهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي ووصفه بأنه أمر "غير مقبول"، معربا عن قلقه من "التصعيد" على الحدود.