بكين - احتل "قضاء" الصين على كوفيد-19 موقع الصدارة يوم الاثنين، 28 حزيران/يونيو، في احتفال استثنائي بتاريخ الحزب الشيوعي نظم في ملعب بكين الوطني.
وتميز العرض الباذخ بعرض عينات من التاريخ الشيوعي صممت بإحكام، كما شمل إشادات بثت على شاشات كبيرة لكبار القادة من ماو تسي تونغ إلى الرئيس شي جين بينغ، واستخدام مائة بوق وتحية من مجموعة من رواد الفضاء الصينيين الموجودين حاليا في الفضاء.
ولكن حذف العرض فصولا مزعجة من تاريخ الصين الحديث المضطرب والذي شهد المجاعة وعمليات التطهير التي رافقت الثورة الثقافية وقمع الطلاب المتظاهرين في ساحة تيانانمين وحركة التمرد المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، إضافة إلى الاعتقال التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان التي طالت أكثر من مليون فرد من أبناء الأويغور وغيرهم من المسلمين في منطقة سنجان.
وبدلا من ذلك، رفع المؤدون قبضاتهم في الهواء كعلامة انتصار، ورقصوا وقدموا مسرحية تروي أبرز محطات الحزب.
وتم تكريس اهتمام خاص لكيفية تعامل الصين مع جائحة كوفيد-19، وارتدى المؤدون وسائل الحماية الشخصية فيما وضع الجنود كمامات.
’الصالح العام العالمي‘
هذا وأعاد شي بعناية سرد قصة تفشي الوباء الذي ظهر أولا في مدينة ووهان بوسط الصين، مصورا إياها على أنها انتصار لتنظيم الحزب والصمود الصيني تم إنجازه في ظل توجيهاته.
ومنذ تفشي الجائحة، واجه الصينيون بكثافة مثل هذه السردية الترويجية وأجهزة الدولة التي تتحكم بشدة بالإعلام والمعلومات ولا سيما على الإنترنت، وتقمع الآراء المعارضة بصورة سريعة.
كذلك، حاول دبلوماسيون صينيون تشكيل القصة خارج الصينأيضا، وذلك عبر نشر معلومات مضللة بشأن المصدر الأول للفيروس وفعالية اللقاحات الغربية الصنع مع الترويج للقاحات الصينية كبديل أفضل.
وأطلقت الصين العام الماضي حملة دبلوماسية اللقاح الخاصة بها، مع تعهد شي بتوفير لقاح يمكن تخزينه ونقله بسهولة إلى ملايين المتلقين حول العالم، وخصوصا إلى الدول الفقيرة.
وأطلق على هذه الحملة اسم "الصالح العام العالمي"، وهي عبارة كررها قادة حزبيون آخرون.
ويشكل توفير اللقاحات للدول العاجزة عن تأمين لقاحات أعلى كلفة أو أخرى مطلوبة بكثافة، عنصرا أساسيا من محاولة بكين لإعادة كتابة التاريخ.
وتستخدم أكثر من 90 دولة لقاحات مضادة لكوفيد-19 صينية الصنع، ولكن ذكر مراقبون أن تكاثر عدد الإصابات في بعض تلك الدول يجب أن يعتبر تحذيرا.
تفشي الفيروس في ظل اللقاحات الصينية
وأتت فعالية جهود دبلوماسية اللقاح التي اتبعتها الصين على مستوى جودة المنتج الذي تقدمه، وقد أظهرت الأدلة بالفعل غياب الجودة.
ففي نيسان/أبريل الماضي، أقر اعترف رئيس المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها غاو فو، بأن المركز "يبحث في سبل حل مشكلة ضعف فعالية اللقاحات الحالية"، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية.
ونقلت محطة البي.بي.سي قوله إن اللقاحات الحالية بما فيها جرعات سينوفاك بيوتك وسينوفارم، "لا توفر معدلات حماية عالية جدا".
إلى هذا، أفادت صحيفة نيويورك تايمز في 22 حزيران/يونيو، أن مراجعة البيانات الواردة من دول عدة اعتمدت اللقاحات المنتجة في الصين تؤكد هذه المخاوف.
فعلى سبيل المثال، تم في جزر سيشل وتشيلي والبحرين ومنغوليا تلقيح 50 إلى 68 في المائة من السكان بشكل كامل، وفقا لمشروع تتبع البيانات بعنوان "عالمنا في البيانات".
ولكن صنفت الدول الأربعة من بين الدول العشرة التي شهدت أسوأ تفش لجائحة كوفيد-19 منذ منتصف حزيران/يونيو الماضي، علما أن الدول الأربعة قد اعتمدت بشكل كبير على لقاحي سينوفارم وسينوفاك، حسبما جاء في البحث الذي أعدته الصحيفة.
وفي هذا السياق، قال عالم الفيروسات بجامعة هونغ كونغ جين دونجيان، "إذا كانت اللقاحات جيدة بما يكفي، فلا يجب أن نشهد مثل هذا النمط. على الصينيين تحمل مسؤولية معالجة هذه المسألة".
يذكر أن معدل فعالية لقاح سينوفارم الذي طُور بالتعاون مع معهد بكين للمنتجات البيولوجية يبلغ 78.1 في المائة، فيما تبلغ نسبة فعالية لقاح سينوفاك 51 في المائة.
وبالمقارنة، تبلغ معدلات فعالية لقاحات فايزر بيونتك الأميركية-الألمانية ولقاحات موديرنا الأميركية الصنع 95 في المائة و94 في المائة على التوالي.
بيانات مقلقة
وفي حين أنه ما من لقاح يمنع انتقال العدوى بشكل كامل، إلا أن معدلات الفعالية المنخفضة نسبيا للقاحات الصينية اعتبرت سببا محتملا لعودة تفشي الفيروس مؤخرا، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
ومع كل الأدلة المتوفرة، يصح الافتراض أن لقاح سينوفارم يؤثر بشكل ضئيل في الحد من انتقال الفيروس، حسبما ذكر نيكولاي بتروفسكي الأستاذ المحاضر في كلية الطب والصحة العامة بجامعة فليندرز في أديلايد، أستراليا.
وقال بتروفسكي للصحيفة إن أحد المخاطر الرئيسة في اللقاحات الصينية يتمثل بإمكانية أن يكون لدى متلقي اللقاح عوارض قليلة أو لا عوارض على الإطلاق، ولكن بإمكانهم نشر الفيروس للآخرين.
وذكر ويليام شافنر المدير الطبي للمؤسسة الوطنية للأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت في ناشفيل تينيسي في الولايات المتحدة، أن معدلات فعالية اللقاحات الصينية يمكن أن تكون منخفضة لدرجة "يتواصل معها انتقال العدوى، وتتسبب أيضا بإصابة عدد كبير من الناس الذين حصلوا على اللقاحات على نطاق واسع، مع أنها تجنبهم عادة الدخول إلى المستشفى".
ولكن تعد البيانات التي ظهرت مؤخرا مقلقة.
ففي إندونيسيا على سبيل المثال، أصيب مؤخرا أكثر من 350 طبيبا وعامل رعاية صحية بكوفيد-19 على الرغم من تلقيهم جرعتي لقاح سينوفاك، وفقا لفريق التخفيف من المخاطر التابع للجمعية الطبية الإندونيسية.
وبين شباط/فبراير و7 حزيران/يونيو، توفي 61 طبيبا من مختلف أنحاء البلاد بسبب المرض. وقالت الجمعية إن 10 منهم كانوا قد تلقوا لقاحا صيني الصنع.
يُذكر أن هذه الأرقام جعلت مدير الخدمات الطبية في سنغافورة كينيث ماك، يلاحظ الاختلاف في جودة اللقاحات.
وقال في مؤتمر صحافي عقد في 18 حزيران/يونيو "ليست هذه مشكلة مرتبطة بلقاح فايزر، بل هي في الواقع مشكلة مرتبطة بلقاح سينوفاك".
وفي دول أخرى، تحدثت تقارير كثيرة عن إصابات بالفيروس رغم تلقي اللقاح صيني الصنع.
وكانت البحرين والإمارات أول دولتين وافقتا على اعتماد لقاح سينوفارم، وذلك حتى قبل صدور بيانات التجارب السريرية للمرحلة الأخيرة لإنتاج اللقاح.
وأعلنت البحرين عن "عودة الحياة إلى طبيعتها" مع إطلاق برنامج التلقيح، ولكن بحلول 29 أيار/مايو، سجل البلد ارتفاعا بإصابات كوفيد-19 مع توثيق 1923 حالة جديدة يوميا لكل مليون شخص، وفق ما جاء في "عالمنا في البيانات".
وفي حين دافع المسؤولون في البحرين والإمارات عن برامج التلقيح التي اعتمدوها، يقدمون اليوم جرعات معززة ثالثة، ولقاح فايزر هو من بينها.