يقول محللون إن الحريقين اللذين اندلعا مؤخرا على متن سفينة بحرية وفي معمل كبير لتكرير النفط، يمثلان الحلقة الأخيرة من سلسلة من الحوادث المحرجة التي كانت أحيانا قاتلة، والتي نتجت عن أولويات النظام الإيراني الخاطئة وعدم تعلمه من تجاربه.
فبحسب بحرية جمهورية إيران الإسلامية، غرقت واحدة من أكبر السفن البحرية في البلاد يوم 2 حزيران/يونيو بعد اندلاع النيران فيها أثناء "مهمة تدريبية" قبالة ميناء جاسك في خليج عمان.
وفي اليوم نفسه، اندلع حريق ضخم في معمل كبير لتكرير النفط في جنوب طهران يؤمن أغلبية احتياجات الوقود للعاصمة طهران.
وقبل ذلك بيومين، تعطل مقعد القذف في طائرة إيرانية من طراز إف-4 يعود تاريخها إلى ستينيات القرن العشرين أثناء إصلاحها، بحسب ما أوردته وسائل الإعلام الحكومية. وقد قتل طياران في الحادث الذي وصفته الحكومة لاحقا بأنه مشكلة فنية.
ويقول محللون إن هذه الأحداث الأخيرة التي ينظر لها كجزء من سلسلة من الحوادث القاتلة الممتدة عبر سنوات، تلقي بظلال من الشك على فعالية الاستراتيجية العسكرية لطهران وجهوزية القوات المسلحة الإيرانية.
وعقب هذه الحوادث الأخيرة، قال محلل سابق في البحرية الإيرانية طلب عدم الكشف عن هويته إن "مقاربة إيران في التمويل العسكري مثيرة للجدل".
وأضاف أن "المسؤولين يحاولون في واقع الأمر تمويل قوتين مسلحتين، مع إظهار تفضيل واضح للحرس الثوري الإيراني".
وصرح للمشارق أن "هذا يعني أن القوات المسلحة التقليدية تعاني من نقص التمويل في كافة المجالات، بما في ذلك التدريب والمعدات والأسلحة والعتاد".
وتابع أنه "لكي تقوم بصيانة المعدات الحالية، تستمر في تفكيك المعدات العسكرية القديمة التي تم تصنيعها قبل الثورة الإسلامية عام 1979"، مشيرا إلى أن عملية تحديثها أصبحت أصعب جراء العقوبات الدولية التي تمنع إيران من شراء معظم الأسلحة.
وفي هذا السياق، وصف جيسون بهاري وهو محلل متخصص في الشؤون الإيرانية ويقيم في الولايات المتحدة، السفن في أسطول إيران العتيق بأنها "متاحف عائمة".
وأوضح أن "الحكومة تقوم بتعديلها باستخدام قاذفات صواريخ ورادارات معدلة بصورة طفيفة، لكن التكنولوجيا الأساسية عمرها 50 عاما أو أكثر".
مهنية غائبة
وقال المحللون إن المعدات العتيقة هي مجرد جزء من المشكلة، مشيرين إلى أن السلوك غير المهني لبحرية الحرس الثوري قد أدى إلى توبيخ دولي، حيث أنه يعرض حياة الناس للخطر ويعكس صورة سلبية عن الجهاز العسكري الإيراني برمته.
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية أنه في يوم 10 أيار/مايو، أطلقت سفينة أميركية طلقات تحذيرية على أكثر من 12 زورقا هجوميا إيرانيا سريعا اقتربت من غواصة تابعة للبحرية الأميركية وسفن مرافقة في مضيق هرمز الضيق.
وفي الحادث الثاني من نوعه في غضون أسبوعين، اقترب 13 زورقا تابعا لبحرية الحرس الثوري من السفن الأميركية السبعة بسرعات كبيرة وأصبحت على مسافة 140 مترا قبل أن تطلق إحدى السفن الأميركية 30 طلقة على دفعتين، بحسب ما قال الناطق باسم البنتاغون جون كيربي.
وأضاف كيربي "للأسف، فإن المضايقات من قبل بحرية الحرس الثوري الإيراني ليست ظاهرة جديدة".
وتابع "هذا أمر غير آمن وغير مهني. فهذه هي نوعية الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى تعرض أحدهم للأذى ويمكن أن تقود إلى حسابات خاطئة فعليا هناك في المنطقة".
وأكد أن "هذا ليس في مصلحة أي أحد".
وفي مقابلة أجريت يوم 23 أيار/مايو مع شبكة إيه.بي.سي الإخبارية، تطرق قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي للمضايقات الإيرانية لسفن الأميركية في مضيق هرمز.
وقال إن هذا "كان في أغلبه على مستوى القادة المحليين" لبحرية الحرس الثوري الإيراني، مميزا بوضوح بين هذه القوات وقوات البحرية الإيرانية المهنية، وهي بحرية جمهورية إيران الإسلامية.
وأضاف أن أفعال بحرية الحرس الثوري الإيراني "تتصف بأنشطة غير مسؤولة من جانب صغار القادة"، مبينا أن "مسألة أن إيران لا تستطيع فعليا أن تنفذ عمليات القيادة والسيطرة على هذه القوات هو أمر جد مقلق بالنسبة لنا".
تجارب لم يتم التعلم منها
ويقول محللون إن إخفاقات وحوادث ممنهجة في مجالات أخرى تعكس أيضا إخفاق إيران في الاستثمار في بنيتها التحتية أو تدريب قوات الدفاع المدني وقوات الأمن، وإن ذلك يؤدي أحيانا إلى عواقب مأسوية.
ففي كانون الثاني/يناير 2017، اندلع حريق هائل في مبنى بلاسكو التجاري المعروف في طهران، ما أدى إلى مقتل العشرات من رجال الإطفاء.
ويُعزى الإخفاق في احتواء الحريق إلى نقص المعدات والافتقار إلى الكفاءة المهنية، وقد كلف ذلك عمدة طهران آنذاك محمد باقر غاليباف محاولة ترشحه للرئاسة.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه يأمل أن تشكل مأساة بلاسكو "درسا للمستقبل".
لكن لم يتم التعلم من هذا الدرس: فقد أدت أولويات الحكومة الموضوعة في غير محلها وعدم الاهتمام بالشعب وتفضيل السياسات التوسعية الإقليمية للحرس الثوري الإيراني، إلى وقوع حوادث كان من الممكن تجنبها وهي حوادث كانت أحيانا مميتة في السنوات الأخيرة.
ففي يوم 23 أيار/مايو، أصيب 9 أشخاص في انفجار في مصنع ينتج موادا متفجرة في وسط إيران، بحسب ما أوردت وسائل الإعلام المحلية. وبعد ذلك بـ 3 أيام، أسفر انفجار في خط أنابيب في مجمع للبتروكيماويات بالقرب من ساحل إيران على الخليج عن مقتل شخص واحد.
وفي نيسان/أبريل، سلط انفجار وقع في منشأة نطنز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم الضوء على العيوب في الأمن الداخلي للنظام الإيراني.
وفي أيار/مايو 2020، تعرضت سفينة حربية إيرانية لنيران صديقة أثناء مناورة بحرية قبالة ميناء جاسك، ما أسفر عن مصرع كل من على متنها وعددهم 19 بحارا.
وفي كانون الثاني/يناير 2020، أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية الرحلة رقم 752، وهي في طريقها إلى كييف، وذلك بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار الإمام الخميني الدولي بطهران، ما أدى إلى مقتل كل من كانوا على متنها، وعددهم 176 مدنيا.
كلفة باهظة للشعب
هذا ويواجه النظام الإيراني موجة متصاعدة من السخط الشعبي جراء تداعيات أفعال الحرس الثوري الإيراني وقراراته.
ويواجه نصف الإيرانيين تقريبا "فقرا مدقعا" يعرّف بدخل يعادل حوالي 266 دولارا في الشهر، وذلك بناء على أرقام من عدة تقارير نشرتها منظمات عامة وخاصة إيرانية.
ووسط تضخم هائل تجاوز 30 في المائة سنويا بين عامي 2018 و2020، فقد أصبحت التكلفة اليومية لإطعام أسرة مكونة من 4 أفراد الآن بين 3.60 و6.6 دولارات، وذلك فقط في حالة الامتناع عن كل شيء باستثناء الأغذية الأساسية كالجبنة والخبز.
ولكن بدلا من دعم الاقتصاد الإيراني المتعثر، اختار النظام إنفاق موارده الشحيحة على الحرس الثوري ووكلائه الإقليميين، ومنهم حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والحوثيين (أنصار الله) في اليمن.
وقد قدّم تسجيل صوتي لمقابلة مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف سُرب مؤخرا، دليلا إضافيا على الأولويات الخاطئة التي يعتمدها النظام.
ففي المقابلة التي تم نشرها على نطاق واسع في 25 نيسان/أبريل، يُسمع وزير الخارجية وهو يعترف بدور الحرس الثوري الإيراني الهائل ولا سيما فيلق القدس، في توجيه السياسة الخارجية الإيرانية.
وأكد ظريف مرارا في المقابلة أن أولوية الجمهورية الإسلامية هي لتواجدها الإقليمي وسياساتها التوسعية وليس للدبلوماسية.
وقال إن هذه السياسات التي وضعها وقررها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليماني، كانت تأتي دائما على حساب الدبلوماسية خلال ولاية سليماني.
وأكد أن سليماني لم يكن ليتنازل قط ليعطي فرصة للدبلوماسية، حتى لو كانت مواقف الحرس الثوري تضر بالسياسة الخارجية الإيرانية "بنسبة 200 في المائة".