وصف النظامان الصيني والإيراني اتفاقية التعاون التي وقعت بينهما مطلع هذا العام بأنها "مكسب للطرفين"، لكنها في الواقع تضع الصين في موقف ضعيف لأنها تفتح الباب أمام تعرضها لعقوبات أميركية.
وفي أحسن الأحوال، يمكن وصف تفاصيل اتفاقية التعاون الاستراتيجي، التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار وتمتد لمدة 25 عاما، بأنها غامضة.
وفي العام الماضي، أثارت المفاوضات حول هذه الاتفاقية، التي تدخل ضمن مبادرة الحزام والطريق الرائدة التي أطلقتها بكين وتبلغ قيمتها تريليون دولار، جدلا ساخنا في إيران، سيما وأنه لم تُكشف تقريبا أية تفاصيل عن مضمونها.
وتشير مسودة أولى مسربة للاتفاقية أنها واسعة النطاق، وأنها تشمل البنية التحتية والاتصالات والتعاون الأمني.
ووفقا لهذه المسودة، ستوسع الشراكة بشكل كبير الوجود الصيني في قطاعات المصارف والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية وعشرات القطاعات الأخرى في إيران. وتحصل الصين في المقابل وطوال 25 عاما، على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني بسعر مخفض للغاية.
إلى هذا، تدعو الاتفاقية، التي اقترحت للمرة الأولى عام 2016، إلى إجراء تدريبات وتمارين عسكرية مشتركة، والتعاون في الأبحاث وتطوير الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كما يعني توسيع نطاق المساعدات الصينية لإيرانأن بكين ستقدم دعما مباشرا للحرس الثوري الإيراني.
وقد كان الحرس الثوري الإيراني، ومن خلال ذراعه الموكل بمهمات الخارج فيلق القدس، مسؤولًا عن تصدير الإرهاب وتسليح الميليشيات العميلة للنظام الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وأفغانستان.
وقوض الحرس الثوري الإيراني سيادة الحكومات في المنطقة، وهو مسؤول عن وقوع آلاف القتلى وعن البؤس المنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وغيره من أرجاء العالم.
الإخلال بحظر الأسلحة على إيران
ويمكن أن تشمل الصفقات بين الصين وإيران بيع أسلحة لطهران، على الرغم من أن إقدام الصين على أية مبيعات من هذا القبيل يعرضها لعقوبات من الولايات المتحدة.
وكانت واشنطن قد توعدت بمعاقبة أية حكومة تهرع إلى تصدير أسلحة إلى إيران بعد انتهاء حظر الأسلحة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي والذي فرضته الأمم المتحدة منذ عقد من الزمن.
وفيما ينصب اهتمام طهران بشكل خاص على امتلاك الدبابات والطائرات وأنظمة الدفاع الجوي الروسية، حسبما ذكرت ديفينس نيوز في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تبقى بعض الفرص متاحة أمام بكين.
ونقلا عن المحلل البحريني عبد الله الجنيد، ذكرت ديفينس نيوز أن "اهتمام إيران بشراء ذخائر التسكع (المعروفة باسم طائرات كاميكازي المسيرة) والطائرات دون طيار والقوارب المسلحة المسيرة، يعني أن الصين ستوفر على الأرجح التقنيات الحديثة لمساعدة الدولة شرق الأوسطية على تطوير سفن بحرية وطائرات مسيرة".
مع انتهاء الحظر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي عن نية بكين "إدارة تجارة الأسلحة بطريقة حكيمة".
من جانبه، قال الصحافي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة شاهين محمدي إن المسؤولين الإيرانيين "يعتقدون خطأ" أن اتفاقية الـ 25 عاما مع الصين ستساعد في تأمين النقص الناتج عن الضغط الأميركي على طهران عبر تزويدها برأس المال والتكنولوجيا.
وأكد أن هذا الاعتقاد ما هو إلا "وهم". وأوضح أنه "قبل عقد من الزمن وعندما طرح موضوع فرض عقوبات [دولية] على إيران، لم تتردد الصين في التصويت على فرضها إلى جانب الولايات المتحدة".
وأضاف أن الحرس الثوري الإيراني من أكبر داعمي اتفاقية طهران مع بكين، لأنه يأمل في شراء صواريخ من الصين ليتمكن من عكس هندستها وتحسين أسلحته.
زلة سياسية
يمثل قرار إيران بالتعامل مع الصين زلة سياسية تحملها عبئا اقتصاديا فادحا ويمكن أن تعرقل علاقتها مع المجتمع الدولي، لكن الصين مخطأة أيضا في هذه الخطوة.
ففي أيلول/سيتمبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مجموعتين من أكبر شبكة نقل في الصين، وهي شركة شاينا أوشن شيبينغ كو (كوسكو)، معللة ذلك بتواطئهما في التحايل على العقوبات المفروضة على إيران.
ومباشرة، أدى الحظر المفروض على كوسكو إلى زيادة أسعار شحنات النفط في آسيا وزيادة التكاليف الإجمالية بنحو 30 في المائة.
ووصلت التداعيات حدا من السوء طالب معه مسؤولون حكوميون صينيون خلال المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2020 برفع العقوبات عن الشركة. وفي النهاية، رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن إحدى المجموعتين.
وفي حال فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على الشركات أو المواطنين الصينيين بسبب تعاملهم مع إيران، فستفقد الصين أقسامًا كبيرة من أسواقها العالمية يُقدر أنها ستدر عليها أضعاف الأرباح التي من المتوقع أن تجنيها من استثماراتها في إيران.
بدوره، قال الاقتصادي المقيم في إيران فاريبورز اعتماد إن شريحة كبيرة من الشعب الإيراني تعارض الوجود الصيني في المشهد الاقتصادي الإيراني.
وحتى إذا كان النظام سيكسب المال من مثل هذه الاتفاقية مع الصين، فإن الأموال لن تصل إلى الشعب الإيراني بل ستملىء كما يحصل دائما جيوب السياسيين الفاسدين ، وتمول الأنشطة الإقليمية الخبيثة للحرس الثوري الإيراني.
وأكد اعتماد"أن عدم قدرة قادة الجمهورية الإسلامية على تأمين احتياجات الشعب الإيراني كبيرة لدرجة أن الوجود الصيني لا يمكن أن يسدها".
الإكراه والتوسع عبر الديون
واعتبر الكثيرون أن الاتفاقية التي صيغت الصيف الماضي بتكتم وسط سيل من الانتقادات في الداخل الإيراني سيكون لها تأثير سلبي على المنطقة وخارجها.
فهذه الاتفاقية ستضع النظام الإيراني المعزول عالميا والمحاصر والضعيف والمتأرجح على شفا الانهيار الاقتصادي تحت رحمة نظام صيني قوي العزيمة ومتسلط.
والدين هو أحد أدوات الإكراه الرئيسة التي تستخدمها بكين.
فهي تقدم قروضا ضخمة للبلدان الضعيفة في جميع أنحاء العالم وتدخلها في عقود مرهقة تحت ذريعة مساعدتها على بناء اقتصادها. إلا أنه عندما تعجز هذه الدول عن سداد القروض أو تصبح غير قادرة على الوفاء بالتزامات العقود، تطالبها بكين بتنازلات مؤلمة.
وقد تشمل هذه التنازلات إما الدعم الدبلوماسي للمصالح الصينية أو الاستيلاء على جميع موارد البلد الطبيعية.
واستشهد النقاد بمشاريع الاستثمار الصينية السابقة التي تركت دولا في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا مدينة للصين لتخضع لها في نهاية المطاف.
وما يعتبر بشكل خاص مصدرا للقلق هو مرافق الموانئ المقترح إنشائها في إيران، وبينها اثنان على طول ساحل خليج عمان.
واحد فيمدينة جاسك المطلة على مضيق هرمز مدخل الخليج الفارسي، وهو سيمنح الصينيين موقعا استراتيجيا على المياه التي يمر عبرها معظم إمدادات النفط العالمية.
وقد قامت الصين بالفعل ببناء مجموعة من الموانئ على طول المحيط الهندي، منشأة "سلسلة" من محطات التزود بالوقود وإعادة الإمداد من بحر الصين الجنوبي إلى قناة السويس.
وهذه الموانئ التي تبدو ظاهريا أنها تجارية بطبيعتها، قد يكون يكون لها أيضا قيمة عسكرية تسمح للبحرية الصينية التي تتطور باضطراد بتوسيع نفوذها.