تسعى الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المناطق الاستراتيجية بالعراق.
حيث تقوم الميليشيات بتصنيف مناطق محددة، بما في ذلك جرف الصخر جنوبي بغداد ومنطقة المشاريع الزراعية في مدينة القائم الحدودية بمحافظة الأنبار، على أنها "مناطق عسكرية".
وقال مراقبون إن هذا المسمى أعطى للميليشيات ذريعة لمنع الأهالي الذين نزحوا بسبب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من العودة إلى منازلهم وأراضيهم، وتبريرا لإحضار عناصر الميليشيات إليها.
ويحصل ذلك على نطاق واسع في سهل نينوى الذي يضم أكبر مجتمع من المسيحيين في البلاد، وفي مدن غربي الموصل وعند أطراف سامراء التي تضم مرقدي الإمامين علي الهادي وحسن العسكري المقدسين لدى الشيعة.
وقال الحاج عبد المقيم في قرية الإسحاقي جنوبي سامراء إن عائلات كثيرة أجبرت على ترك منازلها وأراضيها في قرى قضاء بلد هربا من تهديدات الميليشيات.
وأضاف "كنا نخشى سابقا من داعش. واليوم تسيطر الميليشيات على أراضينا وتستولي على ممتلكاتنا".
وبدوره، ذكر المحلل السياسي زياد السنجري أن العديد من القرويين نزحوا من منازلهم عند أطراف سامراء، وقام عناصر الميليشيات بالسكن فيها مع عائلاتهم قادمين من جنوبي العراق.
ونوّه بأن "الميليشيات تحاول اليوم الاستيلاء على جوامع مملوكة للوقف السني، كجامع سامراء الكبير ومدرسة سامراء، وعلى محال وشوارع تجارية في قلب المدينة".
وقال إن أكثر من 70 ألف مدني ممنوعون منذ عام 2014 من العودة إلى منازلهم في جرف الصخر بأمر من الميليشيات التي جعلت من البلدة منطقة عسكرية.
ولفت إلى حصول تغيير ديموغرافي أيضا في شمالي وغربي العراق، علما أنه يتركز تحديدا في محافظة نينوى.
وبدوره، أوضح أثيل النجيفي المحافظ السابق لنينوى أن تلك الميليشيات مسؤولة عن عمليات "الإزاحة السكانية" لأهالي سهل نينوى الأصليين، علما أن غالبيتهم من المسيحيين ونزحوا بسبب داعش.
وعلى رأس إحدى هذه الميليشيات وعد قادو (الملقب بأبو جعفر الشبكي) الخاضع لعقوبات أميركية جراء تورطه بصورة مباشرة أو غير مباشرة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وذكر النجيفي أن "عناصر هذا الفصيل يتمددون في السهل، وخاصة في الحمدانية وبرطلة، ويستحوذون على عقارات المسيحيين عبر تهديد أصحابها وشراء [الممتلكات] منهم".
وأشار إلى أن قيادات المجتمع المسيحي دعت العائلات المسيحية لعدم بيع منازلها.
فرض أجندات سياسية
وأوضح النجيفي أن الخطر الأكبر لا يتمثل فقط بالتغيير الديموغرافي الذي تسعى الميليشيات لإحداثه، وإنما يكمن أيضا في محاولتها "فرض أجنداتها السياسية في المناطق التي استحوذت عليها وأخضعتها لهيمنتها".
وذكر أن الميليشيات أتت بأشخاص موالين لها وسلمتهم مناصب إدارية، وقد "تغلغلت في معظم مؤسسات ودوائر الدولة بما فيها الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والعملية".
وأكد "أصبح المعيار في الوصول لأي منصب ليس الكفاءة والنزاهة، وإنما علاقة [المرشح] وانتماءه لفصيل أو حزب متنفذ".
وتابع "بالنسبة للشخصيات المستقلة، فهي مستبعدة تماما من شغل أية مناصب".
يُذكر أن الفصائل المسلحة، وأبرزها عصائب أهل الحق ومنظمة بدر، تتحكم اليوم بجامعة الموصل التي تعتبر ثاني أكبر جامعة حكومية بالعراق بعد جامعة بغداد.
وقال السنجري إن "الميليشيات تدير مشاريع واستثمارات بداخل الجامعة وتسرق الحديد والسكراب من أبنيتها المدمرة أثناء الحرب".
وأضاف "لديها تدخلات ونفوذ قوي لتعيين الأشخاص المقربين منها في مراكز قيادية بالجامعة".
وأشار النجيفي إلى أن أجندة الميليشيات تشمل فرض "طابع ديني في محافظة [نينوى] لم يكن موجودا سابقا والسعي لاستملاك أضرحة ومراقد ومقامات دينية في مدينة الموصل هي تابعة للوقف السني".