الرياض -- اعتبر محللون أن تعنت طهران في مناقشة العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ودعمها المستمر لأذرعها من الميليشيات العاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، لم يؤديا إلا لزيادة عزلتها على الساحة العالمية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد عرض التوسط في محادثات لمناقشة عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015 المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن هذا المسعى لم يجد حتى الآن آذانا صاغية لدى طهران.
وفيما يعد الدعم الأوروبي حيويا لإيران في حال أرادت فعلا الخروج من الأزمات العدة التي تواجهها، بدأ هذا الدعم يتراجع خصوصا في ظل دور حزب الله الذي تدعمه إيران في انهيار الدولة اللبناني وهجمات ميليشياتها المتواصلة على أهداف عسكرية ودبلوماسية في العراق .
في هذه الأثناء، تزدهر العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن اتفاقيات التقارب بين إسرائيل ومجموعة من الدول الإقليمية، والتي كان يستحيل في الماضي تصور التوصل إليها، تؤدي إلى المزيد من التهميش لدور إيران والحد من نفوذها.
تحالفات متغيرة
ومؤخرا، زارت مجموعة من السفراء يمثلون المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا واليونان وبولندا والاتحاد الأوروبي الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وسلطت هذه الزيارة الضوء على تحول موقف أوروبا من إيران وذراعها حزب الله.
وقال سفير بلجيكا لدى إسرائيل جان لوك بودسون في 16 آذار/مارس إنه "فيما يتعلق بإيران، نخشى نحن في بلجيكا بشدة حصول إيران على قدرات نووية، ونأمل أن نتمكن بالتعاون مع إدارة [الرئيس الأميركي جو] بايدن من الوصول إلى الحل الأفضل".
وتزامنت الزيارة مع ارتفاع عدد الدول التي عمدت إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، وآخرها كوسوفو التي اتخذت هذه الخطوة في أوائل آذار/مارس.
وفي العام الماضي، صنفت إلمانيا وبريطانيا حزب الله كجماعة إرهابية، وسط تصاعد الاعتراف بعدم إمكانية التفريق بين جناحيه السياسي والعسكري.
ويُعتقد أن حزب الله يستخدم بعض الدول الأوروبية كملاذ آمن لوضع الخطط وتجنيد المتعاطفين معه وجمع الأموال، بما في ذلك عبر الأنشطة الإجرامية.
ومع ذلك، منحت بعض الدول الأوروبية لحزب الله حقوقا تشغيلية كبيرة داخل الاتحاد، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى نفوذ فرنسا.
فقد سعت فرنسا إلى إبقاء بابها مفتوحا أمام جميع الأطراف اللبنانية، إضافة إلى الحؤول دون انهيار الاتفاق النووي. لكنها بدأت تتعرض لضغوط متزايدة للتصدي لكل من حزب الله وإيران.
أذرع إيران تهدد المنطقة
وأكد الباحث السياسي البحريني عبد الله بن حمد من مقر إقامته في القاهرة أن الأجندة التي عملت طهران على تحقيقها في الشرق الأوسط عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيران تعد سببا رئيسا للتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وخلال العام الماضي، حدثت اختراقات دبلوماسية كبرى في الشرق الأوسط أبرزها اتفاقيات السلام التي وقعت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية بوساطة أميركية، والمعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم، إضافة إلى التقارب بين السعودية وقطر.
وكانت الإمارات والبحرين قد وقعتا مع إسرائيل على اتفاقيات إبراهيم في 15 أيلول/سبتمبر، ولحقت بهما السودان في 23 تشرين الأول/أكتوبر والمغرب في 10 كانون الأول/ديسمبر.
وعلى الرغم من عدم توقيع دول عربية أخرى على هذه الاتفاقيات، تشير تقديرات عدة إلى انضمام أطراف أخرى إليها، بينها السعودية.
وتابع بن حمد أن العلاقات الإسرائيلية الخليجية "تسير حاليا على الطريق الصحيح في ظل التغيرات الدولية التي قربت المسافات بين الجانبين، خصوصا في ظل وجود تهديد مشترك يتمثل بخطط إيران [التوسعية]".
وكجزء من تلك الخطط التوسعية، يواصل الحرس الثوري الإيراني دعم الجماعات التي تعمل بالوكالة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وأفغانستان.
وتُعد كتائب حزب الله إحدى أكبر الميليشيات االتي يدعمها الحرس الثوري الإيراني، وهي تنشط في العراق وسوريا. ويشتبه أنها منذ أواخر عام 2019، شنت هجمات صاروخية على العديد من المنشآت العسكرية والدبلوماسية الغربية في العراق.
ففي 15 آذار/مارس، استهدف صاروخان قاعدة البلد الجوية العراقية التي تضم قوات أميركية شمالي بغداد، وسقطت خمسة صواريخ أخرى على قرية مجاورة ألحقت أضرارا بمنزل مدني.
ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجوم على الفور، لكن أصابع الاتهام سبق أن وجهت في هجمات مماثلة إلى شبكة غامضة من الميليشيات المرتبطة بكتائب حزب الله.
وفي 3 آذار/مارس، سقط وابل من الصواريخ الإيرانية الصنع على قاعدة عين الأسد العسكرية في غرب العراق حيث تتمركز قوات التحالف الدولي.
وفي 15 شباط/فبراير، تعرضت إربيل لهجوم بـ 15 صاروخا تبنته جماعة سرايا أولياء الدم غير المعروفة، وهي جماعة أخرى مرتبطة بكتائب حزب الله.
وتوسعت التهديدات الإيرانية لتطال دول مجلس التعاون الخليجي، مع زعم جماعة ألوية الوعد الحق المرتبطة بكتائب حزب الله عن شنها هجمات على قصر اليمامة ومواقع أخرى في الرياض يوم 23 كانون الأول/يناير جرى إحباطها.
وفي 27 كانون الثاني/يناير، نشرت المجموعة على تيليغرام صورا مشوهة لبرج خليفة الضخم في الإمارات وهو يتعرض لضربات من طائرات مسيرة.
’دولة منبوذة‘
بدوره، قال الأستاذ المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة الملك سعود بالرياض عبد الله الدخيل إن التهديدات الايرانية للأمن القومي الخليجي ككل جعل منها "دولة منبوذة".
وأشار إلى أن "الأمر لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط والخليج، فنفوذ إيران وأذرعها، لا سيما حزب الله، تراجع أيضا ضمن المجتمع الأوروبي".
فبعض الدول الأوروبية جزء من التحالف الدولي الذي يقاتل فلول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة. كما تعمل هذه الدول على تعزيز حرية الملاحة في مياه الخليج ومضيق هرمز ومضيق باب المندب عبر مبادرات مثل المراقبة البحرية الأوروبية في مضيق هرمز.
كما اعتبر أستاذ الحقوق في جامعة عجمان بالإمارات خالد الزعبي أن سياسات إيران التوسعية تجعل الدول العربية تختار حلفائها بتأن وصلابة.
وأضاف أن "التقارب السياسي مع إسرائيل لم يعد مقتصرا على دولة عربية او اثنتين، بل ان العدد أخذ بالتصاعد حتى شمل أهم كيانين سياسيين في المنطقة، أي مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.
وأوضح أن "الأمر لم يكن ليحدث بهذه السرعة لولا الموقف الموحد تقريبا ضد سياسات النظام الإيراني وأخطاره الكارثية إذا لم تتم مواجهة إيران بشكل حازم وجماعي".
ورأى الزعبي أن الاتفاقية مع الإمارات تتسم بأهمية خاصة كونها تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية واجتماعية قوية مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
وختم مؤكدا أن هذه الاتفاقية "تعتبر رسالة مباشرة لإيران بأن معظم دول المنطقة ستعمد إلى ردعها في حال حاولت التمادي بتصرفاتها التوسعية".