أدانت محكمة ألمانية يوم الأربعاء، 24 شباط/فبراير عميلا سابقا في جهاز المخابرات السورية بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، وذلك في أول محاكمة قضائية على مستوى العالم بشأن تعذيب برعاية الدولة نفذه النظام السوري.
أدين إياد الغريب، 44 عاما، لدوره في المساعدة على اعتقال المتظاهرين وتسليمهم إلى مركز احتجاز بدمشق عام 2011، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات وستة أشهر بتهمة "المساعدة في جريمة ضد الإنسانية والتحريض عليها".
ويعتبر هذا الحكم الأول في العالم المتعلق بقمع نظام دمشق الوحشي للمتظاهرين.
والغريب هو عضو سابق من رتبة منخفضة في جهاز المخابرات، وقد اتهم بالمساعدة على اعتقال ما لا يقل عن 30 متظاهرا وتسليمهم إلى معتقل الخطيب في دمشق بعد مسيرة في دوما.
وهو الأول من متهمين اثنين يحاكمان منذ 23 نيسان/أبريل تحكم عليه محكمة كوبلنز، بعد أن قرر القضاة تقسيم الإجراءات إلى قسمين.
المتهم الثاني وهو أنور رسلان، 58 عاما، متهم مباشرة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بينها الإشراف على قتل 58 شخصا وتعذيب 4000 آخرين. ومن المتوقع أن تستمر محاكمة رسلان حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر على الأقل.
وتجري محاكمة الرجلين على أساس مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح لأية دولة أجنبية بملاحقة الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية، بغض النظر عن مكان ارتكابها.
’ترس في الماكينة‘
وظهرت حالات أخرى مماثلة في ألمانيا وفرنسا والسويد، حيث يلجأ السوريون الذين لجأوا إلى أوروبا إلى الوسيلة القانونية الوحيدة المتاحة لهم حاليا.
وكان المدعون العامون في كوبلنز يطالبون بسجن الغريب مدة خمس سنوات ونصف، وهو انشق عن النظام عام 2012 قبل أن يفر من سوريا في شباط/فبراير 2013. وبعد قضاء بعض الوقت في تركيا واليونان، وصل إلى ألمانيا في 25 نيسان/أبريل 2018.
واتهمه المدعون بأنه ترس في ماكينةنظام يمارس فيه التعذيب "على نطاق صناعي تقريبا".
وخلال المحاكمة، كتب الغريب رسالة تلاها محاموه أعرب فيها عن حزنه على الضحايا.
واستمع إلى دعوة محاميه لتبرئته والدموع تنهمر على وجهه، وجاء طلب البراءة بحجة أنه كان يمكن أن يُقتل هو وعائلته إذا لم ينفذ أوامر النظام.
لكن محامي المدعين باتريك كروكر قال إنه كان يمكن للغريب أن يكون أكثر صراحة خلال المحاكمة بدلا من التزام الصمت طوال جلسات الاستماع.
وأضاف كروكر أنه "يمكن لأشخاص مثله أن يكونوا مهمين للغاية في إبلاغنا عن (المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم فعليا، لكنه اختار ألا يفعل ذلك".
انتهاكات مروعة
وأثناء المحاكمة، أدلى أكثر من عشرة رجال ونساء سوريين بشهاداتهم حول الانتهاكات المروعة التي تعرضوا لها في معتقل الخطيب المسمى أيضا "الفرع 251".
وتم الاستماع لبعض الشهود دون الكشف عن هويتهم، وكانت وجوههم مخفية أو يرتدون شعرا مستعارا خوفا من الانتقام ضد أقاربهم الذين ما يزالون في سوريا.
وشهدت هذه المحاكمة عرض صور مما يسمى ملفات قيصر لأول مرة في محكمة قانونية.
والتقطت 50 ألف صورة من قبل "قيصر"، وهو أحد عناصر جهاز الشرطة السوري المنشقين، وهي تظهر جثث 6786 سوريا تم تجويعهم أو تعذيبهم حتى الموت داخل معتقلات النظام السوري.
وتظهر الصور أيضا جثث سجناء مشوهة طبعت أرقام على جباههم.
وخلال المحاكمة، دقق عالم الطب الشرعي ماركوس روتشيلد بالصور، وشكلت تحليلاته أدلة مادية دامغة.
ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 100 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب التعذيب أو نتيجة الظروف المروعة في سجون النظام، مع دخول نصف مليون شخص إلى السجون السورية منذ عام 2011.
ويتواصل ظهور الأدلة الجديدة على جرائم النظام السوري.
ولمحاسبة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على جرائمها، أقرت الحكومة الأميركية قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019، الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو الماضي.
ومنذ ذلك الحين، صدرت مجموعة من العقوبات ضد شخصيات مقربة من النظام بينهم زوجة الأسد وابنه المراهق.