ووهان - بعد أشهر من النفي والأكاذيب والمماطلة والتعتيم بشأن أصول فيروس كورونا، اتخذت بيجين اليوم مقاربة جديدة في محاولاتها التضليلية مع محاولتها إقناع العالم بأن الصين ضحية جائحة كوفيد-19.
وإعادة كتابة التاريخ هذه وما تلاها من محاولات إخفاء الدور الذي لعبته أكاذيب بيجين في نشر الفيروس الفتاك، تجري تحديدا في مدينة ووهان التي تعتبر مصدر انطلاق الجائحة.
وفي هذا السياق، كثفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية تقاريرها ناشرة الرواية تلو الأخرى عن انتصار النظام على كوفيد-19، في محاولة منها لعكس الواقع.
وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز مطلع الشهر الجاري، قال الباحث في مركز سيتيزن لاب التابع لجامعة تورونتو لوتوس روان إن هدف الحكومة هو "خلق رواية رسمية لزرعها في ذاكرة الشعب الجماعية بشأن جائحة فيروس كورونا".
وأثبتت أقوال امرأة من أمام محلها لبيع حساء الدجاج في أحد أسواق ووهان، أن الشعب اعتمد رواية بيجين الرسمية.
فهذه السيدة أكدت لبي.بي.سي نيوز آور أن الفيروس "جاء من دول أخرى، والصين وقعت ضحيته".
ووافقها الرأي جارها في محل الأسماك.
وأضافت "لم يأت الفيروس من ووهان. لقد جاء من أميركا"، دون أن توضح أكثر هذا الادعاء.
وطوال العام الماضي وفي ظل تفاقم معاناة العالم جراء الجائحة، عملت بيجين على تحوير الرواية الخاصة بجائحة كوفيد-19 بتصويرها كانتصار عظيم للصين، فالحياة عادت إلى طبيعتها في ووهان، مصدر تفشي الفيروس الأساسي، والاقتصاد يشهد نموا.
وتختلف ووهان اليوم كل الاختلاف عما كانت عليه قبل سنة أي مدينة أشباح مقفلة تماما، إذ عادت الحياة إلى النوادي الليلية وإلى أماكن التسوق، كما باتت وسائل النقل والمنتزهات مكتظة بالمواطنين من جديد.
وأكد وانغ لوكالة الصحافة الفرنسية، أن "الحياة عادت إلى ما كنت عليه في السابق"، وهو عدّاء في العشرينات من العمر ولم يكن يرتدي كمامة وكشف عن اسمه الأول فقط.
هذا وأمضى هوانغ غنبن البالغ من العمر 76 سنة، 67 يوما في المستشفى جراء إصابته بكوفيد-19، وكان يبصق الدم ويتوقع الموت.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "عندما كنت أغمض عيني، لم أكن أعرف ما إذا كنت سأفتحهما مجددا".
وعلى غرار العديد من المواطنين، أعرب عن فخره بـ"الجهود الجبارة" التي بذلتها حكومة الصين وشعبها لاحتواء الجائحة، لا سيما في ووهان.
وقال "يمكننا أن نرى من خلال النتائج أن سياسة الحكومة كانت جيدة، كما أن تعاون مواطني [ووهان] كان جيدا. أحزن عندما أرى أن الجائحة انتشرت في كل أنحاء العالم".
جيش للرقابة
ويعد وصف إقفال ووهان التام بأنه كان "ناجحا" أمرا بعيدا عن الصحة، ذلك أن كوفيد-19 تفشى في أنحاء أخرى من الصين ويواصل اجتياحه للعالم.
ولكن الزعماء في الصين كثيرا قلما يعترفون بأخطائهم أو يركزون عليها.
عوضا عن ذلك، روجت الحكومة لرواية رسمية محورها ووهان، وركزت فيها على الرد الصيني "البطولي" وانتعاش البلاد.
وفي هذا الإطار، قال ديفيد باندورسكي أحد مدراء مشروع الإعلام الصيني وهو برنامج بحثي تابع لهونغ كونغ، إن "رد الصين صُور كانتصار ضخم للحزب الشيوعي الصيني".
وذكر لصحيفة نيويورك تايمز أنه "بالنسبة لزعماء الصين، باتت الرواية مكتوبة".
ونقلت الصحيفة أنه لضمان عدم ظهور علامات استفهام حول الرواية، نشرت الحكومة في الأسابيع الماضية جيشا من المراقبين للبحث على الإنترنت عن أي انتقادات تطال تفشي الفيروس من ووهان. وفي حالات محددة، تمت إزالة عبارات مثل "الذكرى الأولى" و"التبليغ عن مخالفات" من المواقع الإلكترونية الصينية.
وتابعت الصحيفة أن "توجيها دعائيا صدر مؤخرا منع بشكل واضح تغطية الذكرى السنوية لتفشي الفيروس، بحسب ما ذكره صحافيون في وسائل إعلامية حكومية تم إطلاعهم على التوجيه المذكور".
ولم تعلق الصين على الذكرى الأولى لإقفال ووهان التام على مدى 76 يوما في 23 كانون الثاني/يناير الماضي، فلم تصدر أي بيانات حكومية رسمية كما بالكاد تم ذكرها في وسائل الإعلام الرسمية.
وعبّر مقال في صحيفة بكين نيوز عن "مشاعر متضاربة"، مشيدا بالإقفال التام القاسي كنموذج للعالم وذاكرا تضحيات ووهان وخطر الفيروس المستمر.
وجاء في المقال "علينا ألا نخسر بالإهمال النتائج التي حققت بصعوبة في الحد من تفشي الوباء، كما يجب ألا نسمح للجائحة بالعودة مجددا".
وتابع "حيّوا بووهان. حيّوا الشعب الصيني القوي والشجاع!".
واتخذ تحوير بيجين للواقع طابعا أكثر خطورة في الأسابيع الماضية، مع وصول خبراء منظمة الصحة العالمية إلى ووهان للتحقيق في مصدر فيروس كورونا.
فالنظام الصيني يسعى إلى التنصل من مسؤليته عن الخسائر البشرية والاقتصادية المروعة التي تكبدها العالم عبر الإيعاز بأن الفيروس ظهر في مكان آخر، دون تقديم أدلة على ذلك.
ولطالما عمل الحزب الشيوعي الصيني على إخفاء كل ما من شأنه إظهار سوء الحوكمة في البلاد، وحتى تاريخه، تبقى الأيام الأولى لتفشي الفيروس من أكثر المواضيع حساسية في الصين.
ويعتقد أن الفيروس انتقل من الوطاويط وانتشر في الأساس من سوق للحيوانات الحية في ووهان حيث تباع الحيوانات البرية كأطعمة.
ولا يُعرف حتى الآن سوى القليل عن الموضوع، وليس من الواضح إلى أي مدى سيتمكن فريق منظمة الصحة العالمية من الكشف عن معلومات، نظرا لتاريخ بيجين الطويل في التعتيم والتضليل والمماطلة.