أثارت دعوة رجل الدين العراقي الشعبوي مقتدى الصدر الأخيرة إلى ترميم "البيت الشيعي" جدلا في الأوساط السياسية.
وفي حين اعتبرها البعض دعوة للعودة إلى حقبة الاصطفافات المذهبية والمصالح الفئوية، اعتبر آخرون أنها تمهيد لتوافق سياسي أكبر.
وأطلق الصدر هذه الدعوة في تغريدة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي في 2 كانون الأول/ديسمبر.
وقال: "أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي، من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي".
وقال مراقبون إن العديد من القوى النافذة على الساحة العراقية لم تتجاوب مع هذه الدعوة، باعتبار أنها تمثل توجها "قديما" يعاد اليوم تدويره باستخدام شعارات وخطابات سابقة لكسب تأييد الجماهير.
وقوبلت أيضا بالتشكيك إذ غالبا ما تكون مواقف الصدر متقلبة.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي حاتم الفلاحي في حديث لديارنا، أن الدعوة تحمل طابعا "طائفيا" بشكلها العام و"ترجعنا إلى المربع الأول أي مربع الاصطفاف المذهبي للكتل السياسية".
وتابع أن هذا النوع من الاصطفاف شهد أوجه عام 2005 وكانت نتائجه كارثية، إذ أدخل البلاد في دوامة العنف الطائفي والأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
محاولة ʼالتاثير على الانتخاباتʻ
وأشار الفلاحي إلى أن الغاية من الدعوة هي "السيطرة على حركة الاحتجاج الشعبي" التي بدأت قبل أكثر من عام والتي انقلب عليها الصدر في الأشهر الماضية عندما أصبح ينعت المشاركين فيها بـ"الصبية" و"الجوكرية".
وحذا أتباع الصدر حذوه عندما قمعوا التظاهرات في ساحة الحبوبي بالناصرية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فهاجموا المتظاهرين وقتلوا وجرحوا العديد منهم وأحرقوا خيمهم.
وأعرب مراقبون لديارنا عن اعتقادهم أن الصدر يريد جمع معارضيه وحلفائه السابقين، أي زعماء الكتل والفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران، لغايات انتخابية أولها الهيمنة على المشهد السياسي.
وذكر الفلاحي أن مناشدة الصدر "ترتيب البيت الشيعي" تأتي أيضا لغرض "التأثير" على الانتخابات المقبلة والحصول على ما يكفي من المقاعد لحزبه ليفوز بمنصب رئيس الوزراء.
من جانبه، أكد النائب العراقي السابق طه اللهيبي لديارنا أن حظوظ الصدريين في الحصول على هذا المنصب ضعيفة جدا.
وأوضح أنه من غير المتوقع أن يحققوا مكاسب انتخابية لأن مقاعدهم في البرلمان المقبل قد تتراجع من 54 مقعدا حاليا إلى أقل من 30 مقعدا، وذلك بعد "الكشف عن زيف شعاراتهم بشأن الإصلاح ومحاربة الفساد".
واعتبر أن ذلك ما يفسّر دعوة الصدر الأخيرة والتي تتطابق مع سعي إيران لكبح التظاهرات الرافضة لنفوذها المضر بالعراق.
وتسعى إيران أيضا إلى التقريب بين الزعامات الشيعية وإبرام تفاهمات وشراكات سياسية بينهم على أساس الانتماء الطائفي.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لصحيفة الجريدة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إن اجتماعا عقد في بيروت برعاية زعيم حزب الله حسن نصرالله، جمع فيه بين الصدر ورئيس ائتلاف دولة القانون رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي.
وذكر التقرير أن الاجتماع هدف إلى تحقيق مصالحة بين الطرفين وتعزيز التكتل الشيعي الموالي لإيران في العراق قبيل الانتخابات النيابية.
وقال اللهيبي إن هذه الحركة هي "جزء من الماضي وتخالف كليا التوجه الشعبي والحراك الشبابي الذي يطالب اليوم ببناء بيت عراقي يجمع كل الأطياف والانتماءات ويحصل الجميع على حقوقهم فيه".
وأضاف أن "ذلك يعني عراقا قويا وموحدا، لديه سيادة واستقلالية ولا يتبع إيران أو غيرها ولا يتدخل أي طرف في شؤونه الداخلية، وينعم مواطنوه بالاستقرار والازدهار".
ʼرغبة فعلية برأب الصدعʻ
في المقابل، قال الأستاذ في السياسة بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي، إن ما يحفز الصدر هو رغبة فعلية برأب الصدع الحاصل في العراق.
وأشار لديارنا إلى أن هدف رجل الدين هو "خلق أرضية توافقية داخل البيت الشيعي أولا، لتنسحب لاحقا على البيوتات الأخرى من أجل رأب الصدع فبيل الانتخابات المقبلة".
وأضاف: "إنها دعوة يعود تاريخ طرحها لزمن بعيد، وأول من نادى بها هو السياسي الراحل أحمد الجلبي".
وتحدث عن وجود مذاهب فكرية مختلفة بين الشيعة بسبب اتباعهم لمراجع دينية مختلفة، وبينهم من يعرفون عن أنفسهم بأنهم ليبراليون أو علمانيون أيضا.
وشدد الفيلي على أن "المواطن يريد اليوم كتلة سياسية تقدم له انجازات تصب في مصلحتهم بغض النظر عن شعاراتها، فيها دماء جديدة تعمل على بناء دولة المؤسسات والخدمات".