خلال فترة سيطرته على الموصل، قال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للناس إن القطع الأثرية والتماثيل هي في الواقع "أوثان" وقد دمرها بموجب "واجب شرعي".
وقال خبراء لديارنا إنه تبين اليوم أن عناصر داعش كانوا في الواقع قد سرقوا وباعوا القطع الأثرية التي وفرت لهم مصدر دخل منتظم. وأضافوا أن ذلك يكشف مجددا نفاق التنظيم والصورة الكاذبة التي كان يحاول رسمها.
هذا وأجرت داعش أيضا عمليات حفر منظمة بحثا عن قطع أثرية قيّمة في مواقع أثرية كانت تحت سيطرتها.
يُذكر أن أكثر من 1700 موقع أثري وديني في الموصل وقعوا تحت سيطرة التنظيم بين عامي 2014 و2017، وقد تم نهب وتخريب معظمها.
وفي هذا السياق، ذكر مدير متحف الموصل زيد غازي سعد الله لديارنا أنه بعد تحرير الموصل من داعش، أجرى المتحف عمليات مسح وإنقاذ واسعة لتحديد القطع الأثرية المسروقة أو المتضررة.
وأضاف لديارنا أن هذا التقييم أظهر أن التنظيم كان يعتمد على القطع الأثرية المسروقة كمصدر دخل أساسي، وبيّن أن أعمال تحطيم القطع الأثرية الضخمة في المتحف التي كانت تظهر في الأفلام الدعائية لداعش "لم تكن سوى خلطا للأوراق للتغطية على سرقتها للآثار".
سرقة منظمة
وأكد سعد الله أن عملية تحليل البيانات التي أجريت على القطع المحطمة الموجودة في المتحف ومراجعة الوثائق الخاصة بمحتوياته المتحفية والتي جرت قبل اجتياح داعش، "أظهرت اختفاء قطع نادرة ولا تقدر بثمن".
ويعني ذلك أنها سرقت بصورة منظمة. وأضاف أن داعش كانت تسرق القطع الأثرية من المواقع الأثرية التي سيطرت عليها وكانت تعمد إلى تفجير أو تجريف المواقع لإخفاء معالم السرقة.
وذكر سعد الله أن هذا ما حصل في موقع تل النبي يونس وتل قوينجق، حيث يقع قصر الملك الآشوري سنحاريب ومدينة نمرود التاريخية.
ولكن ما من عدد محدد للقطع الأثرية التي سرقت وهُربت إلى الخارج، إذ أنه لم يتم بعد تسجيلها كلها رسميا في سجلات المتحف.
وأوضح سعد الله أنه من السهل المطالبة بالقطع الأثرية التي تحمل أختام المتحف واسترجاعها من أي مكان حول العالم، غير أن المشكلة تكمن في تلك التي تم استخراجها وتهريبها إذ يصعب تحديدها.
وقال إن "هناك عمل كبير لوزارة الثقافة وهيئة الآثار والتراث العامة وبقية الجهات الحكومية العراقية وغير العراقية إضافة إلى الإنتربول، لتتبع ممتلكات العراق".
وذكر تقرير لمجلس القضاء الأعلى العراقي نشر في 4 تشرين الأول/أكتوبر نقلا عن منظمة اليونسكو، أن تنظيم داعش جنى ثروة بلغت 36 مليون دولار من أنشطة تهريب آثار الموصل وبيعها في السوق العالمية عبر وسطاء.
دمار هائل
وبدوره، قال الخبير الآثاري في جامعة الموصل أحمد قاسم إن عمليات داعش الهادفة إلى سرقة وتهريب القطع الأثرية تمت في إطار عمل منظم.
وأوضح لديارنا "عندما عدنا للموصل بعد التحرير، أجرينا عمليات كشف للمواقع الأثرية المدمرة فتبين أن هناك أعمال حفر وتنقيب عن الآثار جرت بعضها بشكل مدروس وعلمي".
وتابع أن ذلك يوحي باحتمال أن يكون عناصر داعش قد اعتمدوا على متخصصين. وإن هذا الأمر واضح مثلا من خلال شبكة الأنفاق المعقدة والمحفورة بعناية تحت تلة النبي يونس، حيث يوجد قصر الملك الآشوري آسرحدون وحيث لم تحدث أية تنقيبات من قبل.
وأكد قاسم أن داعش لم تكتفِ بنهب الآثار، وإنما تسببت بدمار هائل ومحت تراثا إنسانيا شمل العديد من المواقع والمباني الأثرية.
ومن جانبه، ذكر مصعب محمد جاسم وهو ممثل عن مفتشية آثار وتراث نينوى لديارنا، أن التحقيق في مسألة الآثار المسروقة خلال حقبة سيطرة داعش على الموصل يسير باتجاهين.
وأوضح أن الأول يتم على المستوى الخارجي حيث يوجد عمل منسق بين العراق والمجتمع الدولي واتفاقيات مشتركة لملاحقة واسترداد القطع الأثرية المهربة، وقد تم بيع بعضها في المزادات العالمية.
وأضاف أن الاتجاه الثاني يتمثل بالجهود المتواصلة التي تبذلها القوات الأمنية العراقية للتدقيق في الآثار التي اكتشفت في أوكار داعش خلال السنوات الماضية، والتي كان فلول التنظيم يخطط لتهريبها.
وقال إن جهاز الأمن الوطني وقيادة عمليات نينوى قامت باستعادة نحو مائة قطعة أثرية منذ انتهاء معارك التحرير.