وبعد كسر أشهر من الجمود السياسي، تسلم مدير المخابرات العراقي السابق مصطفى الكاظمي منصبه كرئيس للوزراء يوم الخميس 7 أيار/مايو وتنتظره تحديات عدة تتجسد بأزمة اقتصادية مروعة وجائحة وشبح تجدد الاحتجاجات.
وبعد شهر تقريبا على ترشيح الرئيس برهم صالح لمدير جهاز المخابرات الوطني السابق، وافق البرلمان فجأة على الحكومة الجديدة بعد إجراء تعديلات على تشكيلتها في اللحظات الأخيرة.
وهذه هي المحاولة الثالثة لتعيين خلف لرئيس الوزراء المنتهية ولايته عادل عبد المهدي.
وجاء ترشيح الكاظمي البالغ من العمر 53 عاما بعد أسابيع من الشد والجذب بين الأحزاب السياسية المنقسمة بحدة، وبينها تلك المقربة من الجارة إيران التي أعربت عن قلقها من علاقاته مع الولايات المتحدة.
وتعهد رئيس الوزراء الجديد بتحقيق التوازن بين حلفاء كل من واشنطن وطهران المتنافسين، علما أن الخلافات بين البلدين تتعمق منذ عام.
وكان الكاظمي قد تلقى اتصالا من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي أعلن عن تمديد الإعفاء من العقوبات الأميركية مدة 120 يوما وذلك للسماح للعراق بشراء الغاز من جارته إيران.
وقالت وزارة الخارجية إن التنازل هذا "يعرب عن رغبتنا في المساعدة على توفير الظروف المناسبة للنجاح".
واستقال رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد المهدي أواخر العام الماضي، بعد أشهر من الاحتجاجات التي شجبت الفساد المتفشي والبطالة والطبقة السياسية التي ينظر إليها على أنها موالية لإيران المجاورة.
حكومة جزئية
وفي جلسة راعى خلالها النواب سياسة التباعد الاجتماعي للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) واضعين الكمامات والقفازات، وافق المشرعون العراقيون على 15 وزيرا من أصل 22 ضمتهم التشكيلة الحكومية الجديدة.
وما تزال سبع حقائب وزارية خالية بسبب تنازع الأحزاب السياسية عليها، وبينها حقائب أساسية كوزارتي الطاقة والشؤون الخارجية.
وتضم مجموعة الوزراء الذين تمت الموافقة عليهم وزراء عينوا لتولي حقائب حساسة كوزارة المالية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الصحة ووزارة الكهرباء، ما يضمن الأغلبية التي يحتاجها الكاظمي لكي تعتبر حكومته قابلة للحياة.
وينتظر من الحكومة الجديدة إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعتبر فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد، لكنها ستواجه أيضا أولويات عاجلة على صعيد السياسات التنفيذية.
فقد سبق للبنك الدولي أن حذر من أن الاقتصاد العراقي يتوجه هذا العام نحو الانكماش بنسبة 9.7 في المائة وأن معدل البطالة سيتضاعف، ما يجعل أداء البلاد هذه السنه الأسوء لها منذ العام 2003.
فالعجز الهائل الناتج عن انهيار أسعار النفط الخام قد يجبر مجلس الوزراء على تخفيض رواتب موظفي الدولة، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى اندلاع تظاهرات جديدة مناهضة للحكومة.
من جهة أخرى، تسببت جائحة كورونا بمقتل أكثر من 100 عراقي، ويواجه النظام الصحي في البلاد المتداعي أصلا خطر الانهيار في حال ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس.
وتعهد الكاظمي في خطابه أمام البرلمان مساء أمس بإجراء انتخابات مبكرة ووضع قانون موازنة الطوارئ.
تعزيز السيادة العراقية
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية، عصام الفيلي، إن الحكومة الجديدة تضم حتى الآن وزراء "أكفاء ومشهود لهم بالمهنية".
وأضاف لديارنا أن الكاظمي هو "شخصية من الطراز الأول ولم يشوب أدائه أي فساد أو ضعف طيلة قيادته لأحد أهم مؤسسات الدولة، أي جهاز المخابرات الوطني".
لكن هذه الحكومة تواجه استحقاقات وتحديات ثقيلة تضعها أمام اختبار صعب، حسبما تابع.
وأكد أن "تحقيق النجاح لن يكون أمرا سهلا ونحن بحاجة إلى تكاتف جميع الشركاء السياسيين".
واعتبر الفيلي أن التحدي الأخطر يتمثل في قضية تفلت السلاح بين أيدي مجموعات وفصائل مرتبطة بأحزاب تحاول توسيع نفوذها بالقوة على حساب سيادة العراق والموارد الوطنية.
وفي خطابه أمام البرلمان يوم الأربعاء، شدد الكاظمي على أهمية فرض سيادة العراق عبر حصر امتلاك السلاح بأيدي الدولة.
وأكد أن العراق يجب ألا يكون منطلقا للاعتداء على دول أخرى أو ساحة للصراعات والتدخلات الخارجية.
واستنادا إلى هذه المواقف، رأى الفيلي أن لدى رئيس الوزراء "استشعار حقيقي لحجم كل تلك المخاطر والتحديات، وفي مقدمتها ملف مواصلة محاربة الجماعات الإرهابية وضمان عدم اكتسابها مجددا موطئ قدم في البلاد".
’قوية ومستقلة‘
وفي حديث لديارنا، أعرب المواطن أحمد صبري، 54 عاما، عن أمله بأن تكون الحكومة الحالية "مختلفة عن سابقاتها وتعمل على تهدئة الأوضاع".
وأضاف أن "دعمنا لهذه الحكومة سيكون مرهونا بتحركها السريع لتلبية كل مطالبنا والبدء بخطوات جادة لمحاربة الفساد والفقر والبطالة".
من جانبها، أكدت المواطنة إلهام سعد،41 عاما، لديارنا، "أننا سندعم الحكومة ونقف إلى جانبها عندما تكون قوية ومستقلة ولا تسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في شؤوننا الداخلية".
وشددت على أهمية أن تحافظ على سيادة الدولة ضد الخارجين على القانون.