سيمثل ضابتان سابقان في المخابرات السورية أمام محكمة ألمانية خلال الأسبوع الجاري على خلفية تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك في أول محاكمة من نوعها تنظر في قضية التعذيب الذي مارسته الدولة في سوريا.
وكان المواطن السوري أنور البني قد التقى صدفة بابن بلده أنور رسلان في أحد محلات المعدات في ألمانيا منذ خمس سنوات، فتعرّف عليه فورا متذكرا الرجل الذي ألقى به في السجن قبل عقد من الزمن.
ويوم الخميس، 23 نيسان/أبريل، سيتواجه الرجلان أمام محكمة ألمانية ليكون رسلان واحدا من ضابطين سابقين مزعومين في المخابرات السورية اتهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لصالح نظام بشار الأسد السوري.
وفي أول إجراءات قانونية من نوعها في العالم تنظر في قضية التعذيب الذي مارسته الدولة في سوريا، سيحاكم رسلان ضمن نطاق مبدأ الاختصاص القضائي العالمي الذي يسمح لبلد أجنبي بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
واعتبر البني أن المحاكمة ستوجه "رسالة مهمة" إلى النظام السوري مفادها أنكم "لن تفلتوا ابدا من العقاب، لذا فكروا مليا بذلك!".
وقال البني إن رسلان هو الرجل الذي ألقى القبض عليه في منزله بدمشق في أيار/مايو من العام 2006 وزجه في سجن تابع للنظام، حيث أمضى المحامي خمس سنوات إلى أن أطلق سراحه عند اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ووصل الرجلان إلى برلين بفارق شهرين، والتقيا صدفة عندما كانا يقيمان في المركز نفسه المخصص لطالبي اللجوء.
وذكر البني: "قلت لنفسي إني أعرف هذا الرجل لكنني لم أتعرف عليه فورا". وبعد عدة أشهر، التقى مجددا ووجها لوجه بسجانه المزعوم في أحد المحلات التجارية، وتمكن حينها من التعرف على هويته.
ʼكشف الحقيقةʻ
والبني محام سوري في الستينيات من العمر، وكان في بلده الأم مدافعا عن حقوق الإنسان لا يعرف الكلل لكنه اليوم يعيش كلاجئ في برلين.
ولأنه لا يستطيع ممارسة مهنته في ألمانيا، يركز حاليا على جمع الأدلة والشهادات ضد النظام.
وفي حين لن يكون البني من ضمن المدعين في محاكمة يوم الخميس، إلا أنه شخصية محترمة في المجتمع السوري بألمانيا الذي يضم 700 ألف نسمة، فتمكن من إقناع العديد من الضحايا بتقديم شهاداتهم.
وعندما باشر بالعمل مع المحامين المحليين في العام 2016، علم أن المحققين الألمان كانوا يراقبون مسبقا رسلان الذي اعتقل في شباط/فبراير 2019.
واليوم، يواجه رسلان تهم التسبب في مقتل 58 شخصا وتعذيب 4 آلاف آخرين أثناء إدارته مركز اعتقال الخطيب في دمشق بين عامي 2011 و2012.
إلى هذا، وجهت إلى سوري آخر المدعو إياد الغريب والبالغ من العمر 43 سنة، تهمة المشاركة في هذه العمليات.
وفي هذا السياق، أوضح المحامي الألماني باتريك كروكر الذي يمثل ستة مدعين سوريين، أن "القضية لا تتعلق بالانتقام، بل بكشف الحقيقة".
وقال إن ضحايا التعذيب على يد النظام السوري وهم اليوم لاجئون في مختلف البلدان الأوروبية، "يريدون للعالم أن يعرف ما حدث هناك".
ʼسوء معاملة جسديةʻ
وذكر كروكر أن كل الذين سيدلون بشهادتهم في كوبلنز "خضعوا في السجن النظامي لسوء المعاملة الجسدية، وتعرضوا في بعض الحالات لعنف شديد ولفترة طويلة من الزمن".
وأضاف أن الجرائم المفترضة التي سجنوا بسببها شملت "المشاركة في تظاهرات وتصويرها... أو جمع الأدوية للذين أصيبوا خلال التظاهرات".
وقد فضل العديد من العائلات الصمت خوفا من أعمال انتقامية بحق أصدقائهم أو أقاربهم في سوريا، أو أعمال انتقامية على يد وكلاء للنظام السوري في أوروبا.
وبالنسبة للبني، ما تزال المعركة في بدايتها.
وعلى الزعم من أن نحو ألف سوري متورطين في جرائم مماثلة يعيشون اليوم حاليا بحرية في أوروبا، ما يزال هناك أشخاص يتعرضون للتعذيب في الخطيب.
وذكر كروكر أن الشهود في كوبلنز لن يدلوا فقط بشهادتهم الخاصة، بل سيتحدثون أيضا على لسان الضحايا الآخرين.
وتابع: "قالت غالبيتهم: أنا أقوم بذلك... لأسلّط الضوء على ما يعنيه ذلك للكثيرين الذين ربما لا يستطيعون أن يكونوا هنا، إما لأنهم ما زالوا مسجونين أو خائفين، أو لأنه لا يمكنهم الوصول إلى أوروبا أو لأنهم ماتوا جراء التعذيب".
تحقيقات دولية
وفي السياق نفسه، فتحت المحاكم في فرنسا وإسبانيا تحقيقات في الجرائم المزعومة التي ارتكبها النظام السوري.
وفي العام 2016، أنشأت الأمم المتحدة الآلية الدولية والمحايدة والمستقلة، ومهمتها إعداد لوائح تهم ضد أفراد ارتكبوا جرائم في الحرب السورية.
ومنذ نيسان/أبريل 2018، تعمل الهيئة الأممية على جمع أدلة لاستخدامها في محاكمات مستقبلية محتملة للمسؤولين المزعومين عن الجرائم ضد الإنسانية.
ويشمل ذلك أكثر من مليون وثيقة، منها مستندات وصور وأشرطة فيديو وصور ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية وإفادات لضحايا وشهود ومستندات غير سرية.