تحاول إيران منذ طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من منطقة سهل نينوى في نهاية العام 2016، الحصول على موطئ قدم أيديولوجي لها في المنطقة.
وتشمل الأمثلة على ذلك افتتاح مدرسة الإمام الخميني في ناحية برطلة، بالإضافة إلى مراكز ومكاتب ثقافية تقوم بأنشطة متنوعة تهدف إلى استقطاب الشبان والمراهقين والتأثير على معتقداتهم لصالح الأجندة الإيرانية.
لكن جهود إيران للتأثير على الشعب العراقي قد فشلت فشلا ذريعا، بحسب مواطنين محليين ومتابعين، حيث أن التماسك الاجتماعي والتنوع الإثني في منطقة سهل نينوىيثبت أنه غير قابل للاختراق.
وقال مواطن من سهل نينوى طلب عدم الكشف عن هويته إن التأثير الإيراني "لا يلقى تفاعلا إيجابيا من جانب السكان هنا".
وأضاف في حديث لديارنا أن "الأهالي العائدين للمنطقة بعد التحرير منشغلون تماما بترتيب أوضاعهم واستعادة أعمالهم وطقوس حياتهم اليومية، وليس في اهتماماتهم الانصراف أو التأثر بالأنشطة الإيرانية".
وذكر أن النظام الإيراني حاول مرارا نشر أيديولوجيته القائمة على عقيدة ولاية الفقيه.
وأكد أنهم "ما زالوا عاجزين عن تحقيق أية مكاسب، ذلك أن الناس متمسكون بهويتهم الوطنية والثقافية ويعملون من أجل إرساء التعايش والاندماج المجتمعي".
وشدد على أن "المشروع الإيراني في فرض الهيمنة العقائدية... على المنطقة قد فشل، مثلما فشل من قبل تنظيم داعش في تسويق فكره الإرهابي بين أهالي نينوى [في محاولة] لتضليل الشبان وإحداث صراعات أهلية".
جذور تنوع عميقة
وتتألف منطقة سهل نينوى من 3 أقضية إدارية، وهي الحمدانية والشيخان وتلكيف، ويسكنها خليط متجانس من المواطنين المسيحيين والتركمان والشبك والعرب والايزيديين.
وقال الباحث السياسي غيث التميمي إن هذا التنوع "له جذور ثقافية موغلة بالقدم ولا يمكن للإيرانيين اقتلاع تلك الجذور وإحلال معتقداتهم مكانها".
وأوضح لديارنا أن "عقيدة داعش واجهت مقاومة قوية من قبل أهالي نينوى ولم يتمكن الإرهابيون بكل ما عندهم من قسوة وجبروت من إرغام السكان هناك على تقبل قيم التشدد والانحراف العقائدي الدخيلة عليهم".
ويشير إلى أن النظام الإيراني أعاد استنساخ تجربة داعش وهو يواجه بعد كل محاولاته الحثيثة لإيجاد أتباع ومناصرين لأيديولوجياته الدينية في سهل نينوى والمحافظة ككل فشلا ذريعا وخيبة أمل.
وأشار التميمي إلى أن "حلم قادة إيران بتحويل العراق إلى حديقة خلفية لبلدهم يتبدد شيئا فشيئا، فالاستياء الشعبي ولا سيما في المحافظات الجنوبية".
وتابع أن "التظاهرات المناوئة للنفوذ الإيراني في تلك المدن هي خير دليل على تمسك العراقيين بهويتهم ورفضهم للتغلغل والتدخلات الإيرانية في شؤونهم".
وأكد أن ذلك يعد أيضا "تعبيرا عن غضب عراقي تجاه كل ما يثيره الإيرانيون من فوضى وأعمال تخريبية في البلاد".
ʼلا خضوع للإرادة الإيرانيةʻ
ورأى التميمي أن الداخل الإيراني في حالة غليان، ما يعرض النظام لخطر الانهيار.
وشدد على أن "نظام إيران بدأ يخسر مقبوليته حتى بين الشعب الإيراني نفسه الذي يعاني حاليا من ظروف اقتصادية مرهقة سببها له ذلك النظام نتيجة دعمه للأنشطة الإرهابية بالمنطقة".
وبدوره، قال الخبير العسكري صبحي ناظم توفيق في حديث لديارنا إن "إيران ترى في سهل نينوى منطقة استراتيجية تخدم خطتها بالنفاذ إلى سوريا والبحر المتوسط عبر العراق".
وأكد أن هذه الأهمية الجيوسياسية دفعت النظام الإيراني للعمل بشكل حثيث على فرض الهيمنة على تلك المنطقة عبر أنشطة عقائدية وثقافية، وأنشطة أخرى عسكرية تتمثل بدعم الميليشيات المسلحة الموالية لإيران هناك.
وتتضمن الأمثلة على ذلك ميليشيا اللواء 30 بقيادة وعد قدو (أبو جعفر الشبكي) وكتائب بابليون (اللواء 50) بقيادة ريان الكلداني.
وأوضح أن هاتين الميليشيتين مدعومتان من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأن الولايات المتحدة قامت في شهر تموز/يوليو الماضي بفرض عقوبات على زعماء تلك الميليشيات المتهمين بالتورط في "انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان" سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وشدد توفيق على أن منطقة سهل نينوى هي عراق مصغر وجزء لا يتجزأ من الوطن، وأنها "لن تخضع أبدا للإرادة الإيرانية".