استخدم فنانون عراقيون لوحاتهم لتصوير السنوات العصيبة التي مرت بها الموصل في حقبة داعش من جهة، ومواضيع التفوق والانتعاش.
ومنذ تحرير القوات العراقية الموصل من سيطرة داعش التي فرضت عليها حكمها القاسي بين عامي 2014 و2017، شهدت المدينة موجة من الأحداث الثقافية في ظل انتعاش الساحة الفنية.
وقال فنانون محليون تحدثوا إلى ديارنا إن عملهم هو بمثابة وثائق قنية عن الجرائم التي ارتكبتها داعش، وعن صمود المدينة.
وذكر الفنان علي عبد الجبار في حديث لديارنا أنه قدم 50 لوحة في عدة معارض محلية، تظهر معاناة بلدته من خلال تشكيلات من الخطوط والحروف العربية المتداخلة فنيا.
وقال إن لوحاته لها طابع رمزي وتتناول مواضيع مرتبطة بوضع الموصل بعد سيطرة داعش عليها، والدمار الذي تركه التنظيم خلفه.
وأشار إلى أنه أراد من خلال لوحاته ومع غيره من الفنانين، صنع ذاكرة ثقافية جديدة لمدينتهم.
وذكر "ما حصل كان مفزعا ومؤلما، فدمر الإرهاب مبانٍ ومعالم عريقة، بنية محو حضارة تمتد لآلاف السنين".
وتابع "نحاول اليوم في أعمالنا الفنية إلقاء الضوء على تلك الحقبة المظلمة من تاريخ مدينتنا بكل ما تتضمنه من معاناة وآلام. وتوثق الرسومات بطريقة فنية جميع التفاصيل التي وقعت لكي تستذكرها الأجيال".
وأكد عبد الجبار أنه إلى جانب تصوير هذه الحقبة من الدمار، تظهر لوحاته نهوض المدينة من تحت الركام وإصرارها على شق طريقها نحو البناء والإعمار.
قصص معاناة وأمل
وأقيم في قاعة البهو الملكي في متحف الموصل بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير الماضي، آخر وأحدث معارض الفن التشكيلي منذ تحرير المدينة بعنوان "العودة إلى الموصل، صراع من أجل الحياة"، وبحضور 29 فنانا تشكيليا.
وقد أعيد افتتاح المتحف مؤخرا، بعد أن تعرض للنهب والدمار على يد داعش.
ومن الفنانين المشاركين في هذا الحدث، شيلان نامق التي أجبرت على مغادرة المدينة عقب اجتياح داعش لها. وقالت لديارنا إنها استخدمت فرشاة الرسم كسلاح للتعبير عن غضبها حيال ما ارتكبه التنظيم المتطرف من جرائم.
وأوضحت "لقد نظمت ثلاثة معارض فنية منذ نزوحي لإقليم كردستان، ولدي الآن نحو مائة لوحة فيها مضامين كثيرة عن مأساة مدينتي".
وتابعت "وثقّت في لوحاتي بعض ما قام به الإرهابيون من تدمير للجوامع والكنائس القديمة وللآثار والمتاحف. وتتناول لوحاتي أيضا معاناة السكان خلال رحلات نزوحهم القسري من الموصل".
وأكدت نامق أن لوحاتها "واكبت مرحلة تحرير المدينة، حيث تضمنت بعض الرسومات تصويرا لحالة الفرح الغامر التي عاشها العراقيون بكل طوائفهم بعد الإعلان عن استعادة الموصل".
وأضافت أن اللوحات تعبّر عن "روح التآخي بين أهالي الموصل وتلاحمهم مع قوات الأمن والمساعي الرامية لإعادة الإعمار".
وأشارت نامق إلى أن "الموصل هي مهد التاريخ والفن والحضارة، وهذه المدينة بدأت تخطو أولى خطواتها نحو استعادة تألقها من خلال احتضانها للمعارض والأنشطة الفنية وتعمير المباني التاريخية والثقافية".
توثيق مرحلة سوداء في الموصل
وفي السياق ذاته، أكد عضو مجلس محافظة نينوى خلف الحديدي لديارنا أنه حضر مؤخرا عدة معارض للفن التشكيلي في الموصل، بينها أحداث استضافت فنانين من بلدان عربية أخرى.
وذكر أن "الفنانين قدموا في المعارض لوحات كانت تحمل رسالة ضد التطرف".
وتابع أن "تنظيم داعش حاول إشاعة [التطرف] في المدينة عبر عدائه للفن والتراث والآثار ومحاولته الإطاحة بقيم التسامح والتعايش والانفتاح".
وأضاف أن "هذه المعارض ومختلف النشاطات الثقافية التي تتطرق لمرحلة داعش السوداء فيها بُعد وثائقي"، لافتا إلى أن "كل عمل هو أشبه بوثيقة تاريخية تدين بطريقة فنية الانتهاكات المروعة للتنظيم".
وشدد الحديدي على أن "الفن هو مرآة عاكسة للواقع"، مشيرا إلى أن "الأحداث التي مرت بالموصل ومدن عراقية أخرى ينبغي توثيقها بأعمال فنية ومسرحية وأدبية إبداعية حتى تبقى راسخة في أذهان أجيال المستقبل".
وختم قائلا أن هذه ستكون "وصمة عار في جبين الإرهابيين وحافزا لتماسك المجتمع وتقدم البلد".