بعد ثلاث سنوات على انضمامه إلى صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في محافظة الأنبار، يكشف مقاتلٌ اعتقلته مؤخراً القوات العراقية في مقابلة خاصة مع ديارنا عن خيبة أمله في التنظيم.
واعتقل بركات حسين محمود، 24 عاماً، منذ نحو شهرين في منطقة صحراء الكيلو 160 غرب الرمادي، في هجوم شنّته القوات العراقية على أحد مواقع داعش أسفر عن مقتل العديد من عناصر التنظيم وفرار آخرين.
وتركه زملاؤه في السلاح بتنظيم داعش خلفهم بعد أن أصيبت ساقه خلال الهجوم.
وبعد تلقيه العلاج، نُقل إلى سجن الرمادي حيث ينتظر حكم القضاء عليه.
ومن سجنه حيث الحراسة مشدّدة، اعترف محمود لديارنا أنه ارتكب العديد من الجرائم أثناء قتاله تحت راية داعش، مؤكداً أنه يستحق أيّ حكمٍ قد يصدر بحقه بسبب الدمار الذي ألحقه بالعديد من الأسر العراقية.
وأعرب أيضاً عن اقتناعه بأن داعش فقدت قاعدتها الشعبية وباتت عاجزة عن تجنيد أعضاءٍ جُدد.
ديارنا: حدثنا عن نفسك.
بركات حسين محمود: عمري 24 عاماً وأتحدر من مدينة الرمادي. حتى عام 2014، كنت طالباً في جامعة الأنبار، كلية العلوم قسم الفيزياء، وكنت أستعدّ للتخرّج.
كانت حياتي جيّدة في كلّ جوانبها، لكنّ الشيطان والغباء والسذاجة اجتمعوا عليّ وأوصلوني إلى حيث أنا اليوم.
ديارنا: كيف انتهى الحال بك في هذا المكان؟
محمود:وصلت إلى هذا المكان عن طريق أصدقاء السوء الذين أقنعوني أن حمل السلاح هو السبيل الوحيد لوضع حدٍّ للظلم [...].
انخرطت في تشكيلٍ يُعرف باسم "أحرار الحوز" دون أن أعلم أنه تابعٌ لداعش.
كان ذلك بداية شباط/فبراير 2014، ومن هناك تدرّجت حتى وجدت نفسي في صفوف تنظيم داعش أتقاضى منه راتباً مغرياً.
وتورّطت في قتل أبرياء بدايةً تحت شعارات ثورية ما لبثت أن تحوّلت إلى شعارات دينية تكفّر الآخرين، حتى وصل بها الأمر إلى تكفير أهل السنّة أنفسهم.
ديارنا: من كان المسؤول عنك؟
محمود: كثيرون شغلوا هذا المنصب وجميعهم من المجرمين. كنت الوحيد الذي وصل إلى مستوى التعليم الجامعي، فيما كان الآخرون [...] يعانون من عقدٍ نفسيةٍ عدّة ويشعرون بالنقص حتى أزاء المقاتلين الآخرين، وكلّ من يراهم معاً لا يصدق بالتأكيد الأشرطة المصوّرة التي يصدرونها.
فبينهم من قتل والده أو أخوه بدعوى الولاء والبراء، وآخرين يتعاطون الحشيش وهمهم هو السلطة والقتل والنساء والمال لا أكثر.
ديارنا: هل سبق لك أن شاهدت البغدادي بأم العين؟
محمود: لا، لم أره ولا مرّةً واحدةً. لكن كانت تصلنا تعليماتٍ منه عبر المسؤولين عنّا، وكلّها تدعونا إلى مواصلة القتال والقتل، كونهما بالنسبة إليه مفتاح النصر.
أهمّ شيء [لدى البغدادي] هو زرع الرّعب من التنظيم في نفوس عامة الناس، وكان لهذه الغاية يشدّد على قتل المخالفين في الساحات العامة بهدف ترهيب الآخرين.
ديارنا: ما هي الجرائم التي ارتكبتها؟
محمود:الجرائم التي ارتكبتها كثيرة وكانت جماعية شاركني فيها آخرون كانوا معي. لكنّنا قتلنا من العراقيين السنّة الذين كانت داعش تدعي أنها جاءت لحمايتهم، أكثر مما قتلنا من الآخرين.
وكانوا يقولون لنا أن قتل المخالفين والمعارضين من السنّة أولى من قتل الأعداء، لأنهم يشكّلون خطراً داخلياً يهدّد دولة الخلافة.
لقد قتلنا أسراً بكاملها.
ديارنا: هل كنت مقتنعاً بدولة الخلافة كما حدّدتها داعش؟
محمود: في البداية نعم كنت مقتنعاً، لأنني اعتبرتها الخيار الأفضل للتخلص من الوضع السائد والمشاكل مع الحكومة في بغداد. لكنني اكتشفتهم بعد ذلك على حقيقتهم.
إنهم كاذبون لا أكثر. ما ينادون به لم يكن سوى شعارات وغايتهم الرئيسية كانت السلطة وكانوا يخفون ما يضمرون ولا يظهرون سوى التقوى والورع.
لكن لا يحقّ لهم محاكمة أحدٍ لأن الرحمة لا تعرف سبيلاً إليهم، وأنا أصبحت مثلهم تماماً دون رحمة وخالٍ من أي شعورٍ إنساني.
ديارنا: هل حاولت الهرب من التنظيم؟
محمود: حاولت مرّاتٍ عدّةٍ، لكنني كنت متورطاً معهم حتى عنقي وكان تركهم يعني اعتقالي أو حتى قتلي، إن لم يكن على يد القوات العراقية فعلى يد السكان الغاضبين علينا.
لذلك، حاولت الفرار إلى سوريا ومن هناك إلى تركيا، لكنني لم أنجح واعتقلني الجيش العراقي بسبب إصابة ساقي التي بترت فيما بعد كما ترى.
ديارنا: هل زارك أحدٌ من أهلك في السجن؟
محمود: لا، لم يزرني أحدٌ منهم مع أنهم علموا جميعاً باعتقالي، وهم لا يرغبون أصلاً بأن يعرف أحدٌ أن هذا المجرم هو ابنهم.
لذلك لم أطلب من أحدٍ أن يوصل لهم رسالةً مني أو خبراً عني.
اعتقد بل أجزم، أنهم لا يتشرفون بي الآن خصوصاً إخوتي، لا سيّما أن أحدهم ضابطٌ في جهاز الشرطة.
ديارنا: هل أنت نادم؟
محمود: لم يعد الحديث عن الندم ينفع اليوم. أنتظر حكم الإعدام الذي اعتقد أنه سيكون عادلاً بسبب ما اقترفته. [...]
نحن ننكمش ونتلاشى وعناصر التنظيم يُقتلون أو يهربون.
ولم يعد يأتينا متطوّعون أو مجنّدون.
اعترفت شخصياً بكل شيء، وانتظر القصاص.
وأتمنى ان يكون قصاصي بالدنيا سبيلاً لعدم دخولي النار يوم القيامة.
ديارنا: هل من كلمة توجّهها لآخرين ما زالوا مع داعش؟
محمود: انتهت اللعبة وخسرنا، وعلينا أن ندفع الثمن.