مع طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من شرقي الموصل، بات بإمكان أهالي الموصل الحصول على بطاقات أحوال شخصية شرعية، إضافة إلى وثائق رسمية أخرى.
فقد عمد تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على المدينة، إلى مصادرة الوثائق والشهادات الرسمية من السكان واستبدالها بأخرى غير شرعية صادرة عنه.
وتعمل السلطات العراقية اليوم على معالجة الخلل الذي تسببت به إدارة داعش لسجلات الأحوال المدنية وإعادة تسجيل شهادات الولادة والوفاة وعقود الزواج.
وأصبحت رؤية العشرات من سكان الموصل وهم يتجمعون يومياً أمام مكتب مديرية الجنسية في بلدة برتلا شرقي الموصل مشهداً مألوفاً، بانتظار دورهم للحصول على أوراق ثبوتية.
وفي هذا السياق، قال أحد أهالي حي المثنى في شرقي الموصل محمد صلاح، 37 عاماً، إنه رزق قبل أكثر من عام ببنت أسماها حنين، لكنه لم يسجلها في دائرة صحة المدينة التي غيّرت داعش أسمها إلى ديوان الصحة حتى "لا تحصل على وثيقة صادرة عن ذاك التنظيم الإرهابي".
وأضاف لديارنا: "كنت متأكداً إن تحرير مدينتنا قادم لا محالة، ولم أرغب مطلقاً حينها بأن تحمل ابنتي غير الهوية الرسمية، وإن كلفني ذلك حياتي".
وأوضح أنه "بعد مراجعات عدة، جرى تقييد أبنتي في السجل المدني لعائلتي وحَصلَت لها على بطاقة الأحوال المدنية وشهادة الجنسية".
إصلاح ما تسببت به داعش من فوضى ودمار
ومن جانبها، أكدت انتصار الجبوري مقررة لجنة الأسرة والطفولة في البرلمان العراقي، أن تنظيم داعش تسبب بفوضى ودمار طال كل نواحي الحياة ومنها الوثائق الرسمية للمواطنين.
وتابعت لديارنا أنه مع بدء عمليات التحرير وخلاص السكان من سطوة المسلحين، "تركزت الجهود الوطنية لتثبيت حقوق المواطنين ومواجهة التحديات المرتبطة بهذه المسألة".
وأردفت أنه من السهل على الأبوين اللذين يمتلكان هويات رسمية أو سجل قيد مدني تسجيل أطفالهم الذين ولدوا أبان حكم داعش.
ولفتت أنه لا يتعين على الأهل سوى استخراج حكم من المحكمة يثبت النسب بشهادة شاهدين، وتسجيل بيان بالولادة في دائرة الصحة لمنح الطفل وثائق ثبوتية.
وإذا كانا قد تزوجا بعقد غير شرعي صادر عن داعش وأنجبا، فعليهما أولاً تسجيل زواجهما بالمحكمة قانونياً، بحسب الجبوري.
أما "في حال كانت الزوجة قد ارتبطت خلال حكم داعش بزوج عراقي الجنسية، ومات زوجها أو فقد أو تركها، فمن حقها رفع دعوى وإثبات حقوقها بالمحكمة وتسجيل أولادهما في خانة والديهم"، وفقاً لما أشارت.
وأضافت الجبوري أنه من حق المرأة أيضاً "إبطال واقعة الزواج قانونياً إذا كان قسرياً ولم يكن بمحض إرادتها، كالزيجات الإجبارية من مقاتلي داعش".
وقالت:" نحاول تجاوز أي عقبات تؤثر على عودة الناس لممارسة حياتهم الطبيعية".
بدوره، أشار الخبير القانوني ورئيس جمعية الثقافة القانونية طارق حرب، إلى أن القضاء العراقي يسعى لإصلاح ما أفسدته داعش في منظومة الروابط الاجتماعية.
وأكد أن هذه الجماعة الإرهابية خلفّت مشاكل جمة بالمجتمع الموصلي.
وكشف لديارنا أن "هذه المشاكل ليست بجديدة، إذ سبق وواجهناها في الأنبار وديالى وصلاح الدين. واليوم، تتعامل معها محاكم ودوائر نينوى كما تعاملت نظيراتها من قبل في المحافظات المحررة".
ولفت حرب إلى أن القضاء عالج كل المسائل وحتى الحالات المستعصية لضمان استخراج الأوراق الرسمية للمواطنين وتثبيت حقوقهم المكفولة بالدستور.
الآثار النفسية لسيطرة داعش
أما الناشطة هناء أدور، رئيسة جمعية الأمل، فأكدت أن المحاكم قد سوت الكثير من القضايا المرتبطة بتسجيل المواليد والوفيات والزواج.
إلا أنها لفتت إلى أهمية عدم إغفال جانب مهم من تداعيات حكم داعش وهو الصدمة النفسية الهائلة التي تسبب بها للنساء اللواتي أجبرن على الزواج من عناصر التنظيم أو اغتصبن من قبلهم وأنجبن أطفالاً.
وأردفت أدور لديارنا أن العديد من هؤلاء النسوة يعشن حالة نفسية صعبة ولا يرغبن بمراجعة المحاكم والدوائر الرسمية أو حتى الاعتراف بأطفالهن الذين لا ذنب لهم.
وأضافت أنه في هذه الحالات، "على المحاكم أن تتدخل [وتعمل] مع المنظمات لمعالجة هذه الصدمات ومساعدة النساء على تجاوز أزماتهن والانخراط بالمجتمع".
وختمت قائلة: "نحتاج إلى الكثير من الخبراء والمختصين النفسيين ولجهد استثنائي وطويل لحل هذه المشكلة".