أسفر هجوم يشتبه بأنه نفذ بالغاز السام على إحدى بلدات محافظة إدلب السورية يوم الثلاثاء، 4 نيسان/أبريل، عن مقتل ما لا يقل عن 58 مدنياً بينهم أطفال، مما ولّد موجة غضب عارمة ونداءات ومطالبات لإجراء تحقيق.
وفي حال تم التحقق من صحة المعلومات، قد يكون هذا أسوأ هجوم كيميائي ينفذ منذ اندلاع الحرب في سوريا.
وأعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يوم الثلاثاء أنها تعمل على "جمع وتحليل المعلومات الواردة من كل المصادر المتوفرة" عن الهجوم الذي يشتبه أنه نفذ بالغاز.
وأعربت المنظمة الرقابية العالمية في بيان عن "عن بالغ القلق إزاء ما أفادت به تقارير إعلامية حول مزاعم وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية صباح اليوم في منطقة خان شيخون جنوب إدلب".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وقع الهجوم على الناحية السكنية من خان شيخون في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، عندما نفذت طائرة حربية غارات أطلقت "غازاً ساماً".
وذكر المرصد أن 11 طفلاً كانوا من بين القتلى، وأصيب ما لا يقل عن 160 شخصاً فيما توفي العديد من الأهالي بعد وصولهم إلى المرافق الطبية.
وقال المرصد إنه إلى جانب من قتلوا، أصيب العشرات بمشاكل تنفس بعد الهجوم الذي تسبب بعوارض كالقيء والإغماء وظهور رغوة عند الفم.
ولم يستطع المرصد تأكيد طبيعة الغاز أو الجهة المسؤولة عن تنفيذ الغارات.
مستشفى مستهدف في غارات إضافية
كذلك، استُهدف مستشفى حيث كان يعالج الأطباء ضحايا الهجوم في غارتين جويتين نفذتا بعد الهجوم الأول، مما تسبب بسقوط الأنقاض على الطاقم الطبي المتواجد فيه.
وقال المرصد إن الطيران العسكري قصف موقعاً قريباً من المستشفى، ولكن لم يستطع تأكيد ما إذا كان قد سقط قتلى أو جرحى.
وأصيب أيضاً مركز مجاور للدفاع المدني المعروف بالخوذ البيضاء في الغارات.
وقال وسيم جنيد وهو أحد عناصر الخوذ البيضاء في حديث لديارنا إنه بعد الهجوم الأول، "تحركت وحدات الإسعاف فور تلقيها نبأ سقوط ضحايا، وتفاجأت هذه الفرق برائحة الغازات المنبعثة بقوة في المنطقة المستهدفة".
وأضاف جنيد أنه كان "ضمن الفرق الأولى التي وصلت إلى المكان ورصد عشرات المصابين بالاختناق وعدم القدرة على التنفس مع احمرار في العيون والوجه".
وأكد أن "غالبية المصابين هم من المدنيين وخصوصاً الأطفال والنساء".
وأوضح أنه "بسبب قلة الإمكانيات المتاحة، تم اللجوء إلى التدابير السريعة، وذلك برش المياه النظيفة على المصابين بواسطة الخراطيم لإزالة آثار الغاز، بالإضافة إلى نزع ألبسة المصابين وغسلهم عراة للتأكد من التخلص من آثار الغاز".
وأضاف أنه تم تأمين التنفس الاصطناعي لبعض الأشخاص الذين عانوا من مشاكل حادة في التنفس.
وفي هذا السياق، قال صلاح عثمان، 50 عاماً وهو من أبناء خان شيخون، لديارنا "هرعت كغيري من الأهالي إلى المكان الذي تعرض للغارات الجوية".
وتابع "كان المشهد مؤلماً جداً إلى درجة لا يتصورها العقل، فالجثث كانت منتشرة بكثرة وصراخ المصابين بالغاز كانت تملئ الأجواء".
وأضاف "المشاهد التي رأيتها ربما لا تمحى من الذاكرة، خصوصاً صراخ الأطفال".
نداءات لإجراء تحقيق
يُذكر أن خان شيخون في محافظة إدلب تقع بمعظمها تحت سيطرة ائتلاف معارض، واستُهدفت بشكل دوري في غارات النظام والجهات المتحالفة معه.
واتهم الائتلاف الوطني، وهو الجماعة المعارضة الأساسية في سوريا، النظام بالوقوف خلف الهجوم وطالب مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة طارئة "وفتح تحقيق فوري" في الهجوم.
ومن المنتظر أن يجتمع مجلس الأمن يوم الأربعاء للبحث في الهجوم المذكور.
ونفى أحد كبار المسؤولين الأمنيين السوريين الادعاءات المتعلقة بتورط النظام في الهجوم، واصفاً إياها بأنها "اتهامات باطلة"، وموضحاً لوكالة الصحافة الفرنسية أن القوات المعارضة كانت "تحاول أن تحقق في الإعلام ما لا تستطع تحقيقه على الأرض".
وفي الإطار نفسه، وصف وزير الخارجية الفرنسية جان مارك أيرو الهجوم بأنه "وحشي".
أما رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فيديريكا موغيريني، فحملت النظام السوري "المسؤولية الرئيسية" في الهجوم.
وأعلنت في بروكسل على هامش مؤتمر جمع بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكان الهدف منه التركيز على مرحلة ما بعد الحرب في سوريا، "الأخبار اليوم مروعة".
وأضافت "من الواضح أن هناك مسؤولية رئيسية تقع على النظام لأنه يتحمل مسؤولية حماية شعبه وليس مهاجمته".
وبدورها، نفت روسيا، حليفة سوريا، أي مسؤولية في الهجوم، وأكد وزير الدفاع الروسي يوم الثلاثاء أن بلاده لم تنفذ أي غارات بالقرب من خان شيخون.
ومن جانبه، دان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء، الهجوم معتبراً بأنه غارة "لاإنسانية" يمكن أن تهدد محادثات العاصمة الكازاخستانية للسلام.
ادعاءات متكررة باستخدام الأسلحة السامة
وكان النظام السوري قد انضم رسمياً إلى الدول الموقعة لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وسلّم سلاحه الكيميائي عام 2013 في إطار اتفاقية لتجنب الأعمال العسكرية.
ولكن منذ ذلك الحين، ظهرت ادعاءات متكررة عن استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، كما أن تحقيقاً أجرته الأمم المتحدة اتهم النظام بتنفيذ ما لا يقل عن ثلاثة ههجمات بغاز الكلور عامي 2014 و2015 .
وينفي النظام استخدام الأسلحة الكيميائية وقام بدوره باتهام مقاتلي المعارضة باستخدام الأسلحة المحظورة.
ويأتي هجوم يوم الثلاثاء بعد أيام قليلة من اتهام القوات النظامية باستخدام أسلحة كيميائية في هجوم مضاد في محافظة حماة المجاورة.
يُذكر أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تأسست عام 1997 للقضاء على الأسلحة الكيميائية، أرسلت عدة بعثات إلى سوريا منذ العام 2014 للتحقق من أي ادعاءات حول استخدام محتمل للأسلحة السامة.
وفي تقرير أرسل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آذار/مارس الماضي، قال أمين عام المنظمة أحمد أوزومجو إنه "تم تسجيل ثماني حالات استخدام مزعوم للأسلحة الكيميائية منذ مطلع عام 2017 ويتم حالياً دراستها".
وأشار التقرير إلى أن بعثات تقصي الحقائق بدأت بالتحقيق في حوادث جرت شرقي مدينة حلب وغربي ريف حلب وجنوبي حمص وشمالي حماة وريف دمشق وإدلب.