انخفضت إيرادات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) انخفاضاً حاداً منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، عندما شنّ التحالف الدولي سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت عمليات نقل نفط التي يديرها التنظيم إضافة إلى المنشآت والبنى التحتية النفطية، حسبما أكد خبراء لديارنا.
وأضافوا أن تأثير "عملية الموجة العارمة الثانية" يتجلى عبر تخفيض داعش لرواتب مقاتليها وحملتها المتشددة لجباية الضرائب من سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وتابعوا أن الدليل الآخر على عجز تنظيم داعش المالي يتجلى بمحاولة مقاتليه التخلص من عملته الخاصة التي عمل على سكها وإبدالها بأخرى معترف بها دولياً.
وفي هذا الإطار، قال الصحافي السوري محمد العبد الله المقيم في القاهرة، إن العمليات العسكرية الأخيرة جعلت من "المستحيل" على داعش تهريب النفط إلى خارج الحدود.
وأوضح لديارنا أن "معظم المعابر الحدودية الشرعية منها وغير الشرعية باتت مراقبة من قبل قوات التحالف الدولي".
وأضاف أن قوات سوريا الديموقراطية نفذت عمليات برية ضد قوافل النفط التابعة لداعش، إضافة إلى قيام طائرات التحالف ومعدات المراقبة بالكشف عن أي حركة في تلك المناطق.
وتابع عبد الله: "لم يتبق للتنظيم إلا بعض المعابر النادرة باتجاه مناطق النظام والتي أصبحت هي الأخرى قليلة جداً، وقوافل الناقلات التي تتجه اليها باتت عرضة للاكتشاف في أي وقت".
استهداف عمليات تهريب النفط
وأشار عبد الله إلى أن "تتبع حركة تهريب النفط كانت من أولويات الحرب على داعش باعتبار أن مواردها المالية كانت تعتمد بشكل أساسي على مردود هذه العمليات".
وأكد أنه كان لا بدّ من قطع هذا الشريان المالي لإضعاف قوة التنظيم، من أجل مواصلة الحرب ضده وتضييق الخناق على مناطق سيطرته.
"ويبدو أن هذه العملية أثمرت وبدأت نتائجها تظهر فعلياً على الأرض"، بحسب ما قال العبد الله.
من جانبه، قال جميل الخطيب وهو من أبناء مدينة دير الزور وفضل استخدام اسم مستعار خوفاً على سلامته، إن الأوضاع المالية لداعش أصبحت "سيئة جداً".
وأوضح أن هذا الأمر يظهر من خلال القوة الشرائية لمقاتليه إذ أصبح إنفاقهم ببذخ في أسواق الرقة شيء من الماضي.
وتابع أن العديد من المتعاونين مع داعش والذين كانوا يتقاضون أموالاً منها لقاء خدماتهم قد أكدوا ذلك.
ونقل عن بعض سكان المدينة الذين لهم أقارب جندهم التنظيم في صفوفه، أن "الرواتب التي كانوا يتقاضونها عام 2014 كانت تصل شهرياً إلى 400 دولار والبعض إلى 500 دولار".
هذا بالإضافة إلى 100 دولار عن الزوجة، فضلاً عن تلقي مساعدات غذائية توزع مرتين في الشهر وحصة من الغنائم وإيرادات الضرائب، وفقاً للخطيب.
وقال إن هذا الوضع استمر لغاية منتصف عام 2016 حين خُفضت الرواتب إلى النصف.
وأوضح أنه "حالياً، انخفض الراتب إلى 100 دولار شهرياً والحد الأقصى 140 دولاراً للمقاتل السوري، ولا يوجد حصة من الغنائم".
لا قيمة لعملة داعش
بدوره، قال وائل مصطفى أحد تجار مدينة الرقة، وفضل استخدام اسم مستعار خوفاً على سلامته، إنه "منذ نهاية العام الماضي، بدأ بعض عناصر التنظيم بدفع قيمة مشترياتهم بعملة داعش الذهبية والنحاسية والفضية ".
وأضاف لديارنا أن هذا الأمر شكّل مشكلة حقيقية لشركات الصرافة، إذ عمد عناصر داعش إلى استبدال هذه العملات بالدولار الأميركي وفي حالات معدودة بالليرة السورية.
وذكر أن بعض الصيارفة فضل التوقف عن ممارسة عمله بشكل نهائي، يقيناً منهم أن ما يقوم به عناصر داعش ليس إلا سرقة علنية.
وأكد مصطفى أن "استخدام التنظيم لهذه العملة ومقايضتها بباقي العملات يعود على ما يبدو إلى النقص الكبير في التمويل وعدم قدرة التنظيم على دفع رواتب عناصره".
ووصف قرار تنظيم داعش بالسماح لمقاتليه باستبدال عملته الخاصة بعملات أجنبية معترف بها دولياً بأنها "خدعة لإسكاتهم".
وأشار مصطفى إلى أن أول من فرض عليهم تنظيم داعش استخدام عملته هم تجار النفط والمحروقات، إذ أجبرهم على إتمام العمليات المالية بهذه العملة وكانوا يضطرون لاستبدال الدولار بها.
وأردف: "هذه سرقة علنية، إذ يعلم الجميع أن مصدر المعادن التي استعملها التنظيم لسك عملاته سرقها من مصارف ومعامل سوريا والعراق".
وأضاف أنه على الرغم من الحالة الاقتصادية المتردية للأهالي في مدن الرقة ودير الزور والطبقة، ما زال عناصر داعش يجبون الضرائب دون هوادة.
وأوضح: "عمد عناصر داعش إلى مصادرة المنازل التي يعجز أصحابها عن دفع الضريبة، كما صادروا ما يمكن إعادة بيعه كالبرادات والغسالات وأفران الغاز".
داعش تحت حصار مالي
من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة عين شمس، فخر الدين عوض الله، أن "المال كان أحد الأعمدة التي ساهمت في انتشار داعش وسيطرتها على العديد من المناطق في سوريا والعراق".
وأضاف لديارنا أن التنظيم استخدم المال وحوافز مالية أخرى كالسيارات والذخيرة لاستقطاب آلاف المقاتلين الأجانب.
وبالتالي فإنه من غير الممكن القضاء على التنظيم "دون قطع شريانه المالي"، وفق ما تابع.
وأوضح أنه "منذ تأسيسها، راكمت داعش ثروة طائلة عبر خطة محكمة، تضمنت سرقة المصارف ومصادرة المعامل والمصانع وآبار النفط ومصافيه".
"إلا أن هذه الخطة أفشلت بواسطة خطة مضادة نفذها التحالف الدولي، وترافقت مع حصار مالي دولي حرم التنظيم أموال التبرعات التي كان يجنيها من حول العالم"، وفق ما أضاف.
وختم قائلاً إن إيرادات داعش اليومية هبطت إلى أدنى مستوى، ومن المؤكد أن التنظيم يلجأ الى الاحتياطات النقدية التي خزّنها خلال الفترة الماضية ليتمكن من الاستمرار في عملياته.