مع دخول الحرب السورية فصلا جديدا من الشتاء، روى سكان بلدة قدسيا في ريف دمشق لديارنا كيف يشعلون ما يقع بين أيديهم للتدفئة.
وقالو إنه على الرغم من الاتفاق المبرم مؤخرا والذي ينص على انسحاب فصائل المعارضة من قدسيا مقابل رفع النظام للحصار المفروض عليها، ما تزال البلدة معزولة ولا تصلها أي مساعدات بسبب الصراع الدائر.
وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شهدت البلدة التي تبعد عن دمشق خمسة كيلومترات انسحاب فصائل المعارضة، وبينهم جبهة النصرة التي تعرف اليوم باسم جبهة فتح الشام.
في المقابل، رفع النظام الحصار الذي يفرضه على المدينة بشكل متقطع منذ أربع سنوات، آخرها بدأ في تموز/يوليو 2015.
إلا أن الأهالي أكدوا لديارنا أنهم ما زالوا ينتظرون المساعدات من المنظمات الإنسانية التي باتت تخضع لرقابة دقيقة من قبل النظام.
مشاكل في تسليم المساعدات
وفي هذا الإطار، أوضحت إحدى أهالي قدسيا، آمال صالح التي فضلت استخدام اسم مستعار خوفا على سلامتها، أن عمل منظمات الإغاثة العاملة في المنطقة يمرّ عبر منظمات ومؤسسات الإغاثة التابعة للنظام كالهلال الأحمر السوري.
وقالت عاملة الإغاثة السابقة لديارنا، إن "عمال الإغاثة يعانون من ضغوطات ويخضعون بشكل متواصل للرقابة المشددة، وهذا ما دفع بالعديد منهم إلى الامتناع عن التوجه إلى هذه المنطقة، باستثناء الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية".
وأضافت أن هذه المنظمات تمكنت من تقديم حزم مساعدات للألاف من السكان المحليين تحتوي على مواد للتدفئة ومواد غذائية، مؤكدة أن هذا الأمر لم يخفف من معاناة الكثيرين الذين يعيشون ظروفا غير طبيعية.
وتابعت صالح: "إن السكان باتوا على حافة الهاوية بسبب إنعدام مصادر الدخل"، مشيرة إلى أن العديد من المزارعين ما زالوا عاجزين عن الوصول إلى حقولهم.
وأردفت أن العديد من موظفي القطاع العام فقدوا وظائفهم إثر الحرب، لاسيما بعد انقطاعهم عن التوجه إلى أماكن عملهم في دمشق بسبب الحصار.
حرق المخلفات للتدفئة
من جانبه، أشار استاذ مادة اللغة العربية محمد صادق الذي فضل استخدام اسم مستعار خوفا على سلامته، أنه مع اقتراب فصل الشتاء بات الأهالي "يحرقون أي شيء للتدفئة".
وأوضح لديارنا أن "المنطقة معروفة بمناخها القاسي نظرا لموقعها الجغرافي، ويصل ارتفاعها عن سطح البحر في بعض المناطق الجبلية إلى 1000 متر، إضافة إلى تساقط الثلوج".
وقال إنه قبل تدهور الأوضاع، كان الأهالي يعتمدون على مادة المازوت للتدفئة ومواجهة صقيع فصل الشتاء.
ولكن، تابع، "بسبب ندرة المحروقات وبخاصة المازوت وارتفاع سعره بشكل جنوني، تحوّل الجميع تقريبا إلى التدفئة بواسطة حرق الأخشاب وجميع أنواع المخلفات، فكل ما يشتعل يولّد حرارة".
الظروف لم تتحسن
وفي حديث لديارنا، ذكر سليم يونس من بلدة قدسيا، 45 عاما، أنه فقد عمله منذ نحو سنتين.
وأوضح أن السبب في ذلك يعود إلى انقطاعه عن التوجه إلى عمله في دمشق نتيجة للوضع الأمني السائد.
وأضاف: "كان علي تأمين القوت اليومي لولدي الاثنين وزوجتي، فلجأت الى الأعمال الحرة وأعمال الصيانة وقمت بأي عمل للحصول على بعض المال. إلا أن الأوضاع تردت أكثر، فأصبحت أقوم بالأعمال مقابل بعض المواد الغذائية أو الثياب لأولادي".
ولفت إلى أنه بعد فكّ الحصار تمّ تأمين كافة الخدمات وإدخال المواد الغذائية والأدوية، ومع ذلك ما زالت الأمور تسير ببطء شديد".
وأكد يونس أن أهالي قدسيا يعانون كثيرا ويدفعون ثمن بقائهم في المدينة. "ففي السابق كانت المدينة محاصرة بشكل شبه كامل بالإضافة إلى تعرضها لقصف يومي كان يحصد العديد من أرواح أبنائها".
وتابع أنه بعد خروج مسلحي المعارضة منها، ظنّ الجميع أن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها أو على الأقل ستتحسن قليلا، إلا أنها ظلت سيئة.
وختم كاشفا أن كل شيء "لا بدّ وأن يمرّ عبر المؤسسات الحكومية والأمنية، ما يؤخر وصول المساعدات بشكل مبالغ فيه".